الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا عبرة في الطلاق بالغضب الذي لا يسلب الوعي ولا بالإكراه الأدبي

السؤال

أنا جزائري مقيم مؤقتًا في فرنسا؛ من أجل البحث العلمي فأنا أعمل في مركز بحث علمي من أجل الحصول على درجة مهندس باحث, وعقدت القِران الشرعي منذ 4 أشهر على فتاة من الجزائر, بعد أن وافقت على شروطها, ووافقت على شروطي, ونحن مؤمنون - والحمد لله - وكل منا قام بدعاء الاستخارة عدة مرات بعد الخطبة وقبل العقد الشرعي, وكل طرف مطمئن للآخر، وتم العقد الشرعي - والحمد لله - بحضور كل من عائلتي وعائلة زوجتي, ومن المقرر أن يتم زواجنا - بحول الله - في هذه السنة, ولكن المشكلة أنه منذ بضعة أيام واجهت مشكلة تقع غالبًا بين الزوجين في الحياة - اختلاف الرأي في موضوع - ودون علم مني قامت بدعاء الاستخارة من أجل معرفة نتيجة هذا الدعاء - إن كان خيرًا فإننا سنتزوج, وإن كان شرًا فعلينا أن نلجأ إلى الطلاق - والعياذ بالله -وبعد مدة قصيرة - أقل من أسبوع - أخبرتني أنها تريد أن نفترق, علمًا أني لم أكن موافقًا تمامًا على فعل هذا؛ لأني بصراحة أحبها؛ لما عهدته منها من أخلاق ودين, ولا أتمنى خسارتها, ولا أفهم لماذا فعلت هذا، وبعد أن أخبرتني بهذه الفاجعة لم أتمالك نفسي، وحاولت مرارًا وتكرارًا تسليط الضوء على الموضوع, وإيجاد حل للمشكلة، على رغم أني - واللهِ - لا أعرف السبب الحقيقي لهذا القرار، وكنت كل مرة أسألها لماذا؟ فتقول لي: إنها صلت صلاة الاستخارة، وبعد مدة قصيرة طلب مني والد زوجتي أن أطلقها، وغضبت غضبًا شديدًا من طلب والدها الذي لم يعطني الوقت الكافي لمعرفة المشكلة, ومحاولة إيجاد حل لها, وطلقت وأنا مكره, ولم أنوِ تطليقها, وأنا لا أشعر بما فعلت, ولم أدرك ماذا قلت, وبسبب هذا الغضب أصبت بانهيار عصبي, ومكثت في المستشفى بضعة أيام, وأنا آن أتعالج، وعندي شهادة طبية تثبت هذا, وعندي شاهد على حالتي النفسية بسبب هذا الغضب في الوقت الذي وقع فيه الطلاق, فما حكم دعاء الاستخارة بعد العقد الشرعي؟ وهل من حقها فعل دعاء الاستخارة بعد العقد الشرعي؟ وهل من حقها طلب الطلاق بعد دعاء الاستخارة؟ وما هي الحالات التي يجوز للمرأة طلب الطلاق فيها؟ وهل دعاء الاستخارة على المشكلة من هذه الحالات؟ وهل وقع الطلاق؟ وماذا أفعل في حالة أن الطلاق لم يقع؟ علمًا أني سألت كثيرًا من الأئمة وقالوا لي: إن الطلاق لم يقع.
فأرجو منكم الإجابة في أقرب وقت - جزاكم الله ألف خير - لأني محتاج جدًّا لإجابتكم, مع الأدلة - إن أمكن - خصوصًا أني في بلاد الغربة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالاستخارة مندوب إليها في الأمور المباحة, كالزواج وغيره, وأما الأمور المحرمة فلا تجوز الاستخارة فيها، وعليه, فالاستخارة قبل العقد أو بعده تجوز إذا كانت في أمر مباح, وإلا فلا، وانظر الفتوى رقم: 4823.

والراجح عندنا أن الإنسان يمضي في الأمر بعد الاستخارة، ولا يترك الأمر الذي استخار فيه إلا أن يصرفه الله عنه، وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 123457.

وأما طلب المرأة الطلاق فقد ورد وعيد لمن تطلب الطلاق من غير مسوّغ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. رواه أحمد، أما إذا لحقها بأس - ولو مجرد بغضها له - فلا حرج عليها في طلب الطلاق، قال السندي كما في حاشيته على سنن ابن ماجه: أَيْ: فِي غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ مِنَ الْأَذَى مَا تُعْذَرُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ مَعَهَا.

لكن لا يجب على الزوج أن يجيب المرأة إلى الطلاق إذا سألته من غير أن يكون مضرًا لها، ويجوز له حينئذ أن يمتنع من طلاقها حتى تسقط له بعض حقوقها, كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8649.

واعلم أن طلاقك لامرأتك نافذ إذا كنت تلفظت به مدركًا مختارًا، ولا عبرة بالغضب الذي لا يسلب الوعي, كما بيناه في الفتوى رقم: 98385.

ولا عبرة بالإكراه الأدبي, وإنما يعذر الإنسان بالإكراه الحقيقي, كالتهديد بالقتل, أو الإضرار الشديد، وراجع حد الإكراه المعتبر في الطلاق في الفتويين: 42393، 6106.

والذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على المحكمة الشرعية, وإلا فعلى أهل العلم الموثوقين في المراكز الإسلامية حتى يتبينوا الأمر وتعمل بما يفتونك به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني