الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النظر إلى الأجنبية.. من الكبائر أم الصغائر؟

السؤال

أرجو من الله تعالى أن يجمعنا وإياكم تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وبعد:
لقد قرأت لكم فتوى خلال تصفحي في موقعكم، ففهمت منها أن النظرة إلى ما حرم الله تعتبر بمثابة الزنا المحرم، وبذلك تعتبر من كبائر الذنوب مثلها مثل الزنا. وإليكم السؤال، والإجابة. وأرجو التوضيح جزاكم الله خيرا.
ما عقاب الذي لا يغض البصر وكيف يحاسب؟ وشكراً لكم.
فإنا لا نعلم عقوبة خاصة، ولا كيفية حساب خاص بمن لا يغض بصره، إلا أن الله قد توعد من يعصيه ويتعدى حدوده بعذاب النار، قال الله تعالى: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {النساء:14}، وقد ثبت في حديث مسلم عد النظر للمحرمات من أنواع الزنا، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان وزناهما النظر.
وقد توعد الله الزناة بالعذاب فقال: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}.
فعلى جميع المسلمين أن يلتزموا بغض النظر الذي أوجبه الله تعالى فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وراجع الفتوى رقم: 5776.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كان الأخ السائل يعني أنه استشكل القول بأن النظر المحرم من الكبائر، فهذا لا إشكال فيه إن شاء الله؛ لأن بعض العلماء عدوا النظر إلى الأجنبية بشهوة من الكبائر, وعده آخرون من الصغائر, وفصل بعضهم فقالوا هو من الكبائر عند خوف الفتنة بها، ومن الصغائر عند الأمن من الفتنة بها.

قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الثانية والأربعون، والثالثة والأربعون، والرابعة والأربعون بعد المائتين: نظر الأجنبية بشهوة مع خوف فتنة، ولمسها كذلك، وكذا الخلوة بها بأن لم يكن معهما محرم لأحدهما يحتشمه ولو امرأة كذلك، ولا زوج لتلك الأجنبية. أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه .... إلخ .

وذكر جملة من الأدلة في تحريم النظر ثم قال:
تنبيه: عد هذه الثلاثة من الكبائر هو ما جرى عليه غير واحد، وكأنهم أخذوه من الحديث الأول وما بعده, لكن الذي جرى عليه الشيخان وغيرهما أن مقدمات الزنا ليست كبائر. ويمكن الجمع بحمل هذا على ما إذا انتفت الشهوة وخوف الفتنة، والأول على ما إذا وجدتا. فمن ثم قيدت بهما الأول حتى يكون له نوع اتجاه، وأما إطلاق الكبيرة ولو مع انتفاء ذينك فبعيد جدا . اهــ.
وإن كنت فهمت من الفتوى بأنه كالزنا في المرتبة، فالفتوى ليس فيها أنه بمرتبة زنا الفرج, وعده من الكبائر لا يلزم منه أنه كالزنا في المرتبة, إذ من المعلوم أن الكبائر درجات بعضها أشد من بعض، فقتل النفس التي حرم الله، وشرب الخمر كلاهما من الكبائر، ولكن القتل أشد وأعظم جرما .


والله تعالى أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني