الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في عدم تناول المريض للحبة السوداء إذا كانت لا تتوافق مع دوائه

السؤال

ما الذي يجب على المسلم فعله تجاه الأمراض المزمنة ليجمع بين الطب النبوي والطب الحديث؟
فقد طلب مني الطبيب ترك تناول الغذاء الذي يقوي المناعة بسبب أحد الأمراض, ومنها: الحبة السوداء لأنها تؤثر على فاعلية الدواء الذي أتناوله - ولا يخفى عليكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها – وما كنت لأقدم قول الأطباء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهل أترك العلاج وأستخدم ما دل عليه الطب النبوي؟ لأن ذلك العلاج متفق عليه بين الأطباء لعلاج المرض الذي أعاني منه, وفي نفس الوقت يمنع استعمال الحبة السوداء معه حسب رأي الطبيب, وقد قلت في نفسي: القرآن شفاء ورحمة, وقد ذكر في السنة النبوية العلاج لكافة الأمراض, فهل تركي لعلاج الأطباء والاقتصار على ما ذكر في القرآن والسنة مخالف لأمر الله في الحفاظ على أمانة الجسد؟ حيث إني أعاني مرضًا مزمنًا, وقال الأطباء: إن ترك العلاج يؤدي للإعاقة, ثم الوفاة, فما واجبي – كمسلمة - تجاه المرض وعلاجه؟ وكيف أجمع بين الطب النبوي والطب الحديث؟ - ولا تعارض بينهما؛ لأن الإسلام لا يحرم إلا الخبيث, ولكن فهمي قاصر عن معرفة الجمع بينهما -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا أخبرك الطبيب الثقة أن تناولك للحبة السوداء يضرك بسبب تعاطيك لعلاج معين, فليس في امتثالك لقول الطبيب معارضة لما صح في الطب النبوي من أن الحبة السوداء شفاء من كل داء, فإن هذا من العموم الذي يراد به الخصوص عند كثير من أهل العلم.

قال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل: "فيه شفاء للناس" الأكثر الأغلب, فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.

وقال الخطابي: هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص, وليس يجمع في طبع شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها، وتباين طبعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم, وذلك أنه حار يابس فهو شفاء - بإذن الله - للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة, وذلك أن الدواء أبدًا بالمضاد، والغذاء بالمُشاكِل.
وقال الطيبي: ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}, وقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} في إطلاق العموم وإرادة التخصيص.
وقال ابن القيم: وقوله "شفاء من كل داء"؟ مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ، أي كل شيء يقبل التدمير، ونظائره.
وقال المناوي: "شفاء من كل داء" يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني