الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السؤال عن الحكمة مما قدره الله استفهاما أو اعتراضا

السؤال

أشير للفتوى رقم: 2380660, سألت وقلت لماذا لم يتدخل رب العالمين من أجل حماية هذا المسكين؟ وما الحكمة مما حدث؟ فذكرتم أنتم أن الإمام الطحاوي قال: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه, لم يطلع على ذلك ملك مقرب, ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان, وسلم الحرمان, ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا أو فكرًا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال عز وجل: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ـ فمن سأل لم فعل، فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين ـ فهل أسئلتي تدخلني في قول الإمام وأكون بذلك من الكافرين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول الإمام الطحاوي: فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين ـ يراد به من سأل على وجه الاعتراض على حكم الله، والمخاصمة له فيما قضى وقدر، وليس مراده مطلق السؤال، قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه: اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك، كما في الإنجيل: يا بني إسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا، ولهذا كان سلف هذه الأمة ـ التي هي أكمل الأمم عقولا ومعارف وعلوما ـ لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم، فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورا، بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته، فإن ظهرت له فعله وإلا عطله، فإن هذا ينافي الانقياد، ويقدح في الامتثال.

قال القرطبي ناقلا عن ابن عبد البر: فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره، قال ابن العربي: الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سبل النظرة، وتحصيل مقدمات الاجتهاد وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد، قال: فإذا عرضت نازلة، أتيت من بابها، ونشدت من مظانها، والله يفتح وجه الصواب فيها، انتهى، وقال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ـ رواه الترمذي وغيره، ولا شك في تكفير من رد حكم الكتاب، ولكن من تأول حكم الكتاب لشبهة عرضت له، بين له الصواب ليرجع إليه، فالله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، لكمال حكمته ورحمته وعدله، لا لمجرد قهره وقدرته، كما يقول جهم وأتباعه، وسيأتي لذلك زيادة بيان عند قول الشيخ: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله. اهـ.

فالحاصل أنه ليس كل سؤال عن الحكمة من تقدير الله سبحانه للمقادير يكون كفرا، وحتى السؤال على وجه الاعتراض مع أنه كفر من جهة الوصف، إلا أن الشخص المعين لا يحكم عليه أنه يكفر بمجرد ذلك، فقد يكون جاهلا أو متأولا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني