الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل جميع سنن وأحاديث الرسول عليه السلام أنزلت من الله مثل حديث: سبق ماء الرجل، وحديث السواك، وأحاديث كثيرة جدا.
فهل وافق عليها الله، خصوصا أن النبي عليه السلام إذا لم يكن لديه نص شرعي يجتهد فيصيب ويخطئ؟
أتمنى الإجابة على سؤالي.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحي منزل.

قال شيخ الإسلام: قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن؛ قال الله تعالى:{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما }. وقال تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }. وقال تعالى: { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه } " يعني السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن؛ لا أنها تتلى كما يتلى. انتهى.
وقال الزركشي في البحر المحيط: ونص الشافعي في "الرسالة" على أن السنة منزلة كالقرآن محتجا بقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]. فذكر السنة بلفظ التلاوة كالقرآن، وبين سبحانه أنه آتاه مع الكتاب غير الكتاب، وهو ما سنه على لسانه مما لم يذكره فيه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني قد أوتيت الكتاب ومثله معه" رواه أبو داود. انتهى.
ولا يقلل من سنته صلى الله عليه وسلم، ولا من حجيتها كونه صلى الله عليه وسلم يجتهد، وكون اجتهاده يجوز عليه الخطأ؛ لأن الله لا يقره على الخطأ، بل لا بد أن يبين وجه الصواب في ذلك.

قال شيخ الإسلام: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ ؛ لَكِنْ لَا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ. انتهى.
وقال الشاطبي رحمه الله: الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام، معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة . وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وإذا فُرِّعَ على القول بجواز الخطأ في حقه، فلا يُقَرُّ عليه البتة، فلا بد من الرجوع إلى الصواب، والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه. انتهى.
وأما حديث أنس الذي رواه البخاري وفيه: وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ. الحديث. فهو خبر عن الصادق المصدوق، وهو مما لا يقال باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، فدلنا ذلك على أنه وحي من الله تعالى.

قال العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى: الأمور التي لا مجال لمثله للاجتهاد فيها يتبين لنا أنها وحي من اللّه، ويؤيد هذا التعليل أنه صلى الله عليه وسلم أمي، ولا عهد لأمته بالطب الذي من هذا الجنس، ولا تجارب عندهم في هذا، وخوضه فيه لا يليق برسالته؛ لأنه يكون مجازفًا إذ بنى شيئًا على غير تجربة، ولا مجال لأمثاله في أن يجرب في مثل هذا. انتهى من شبهات حول السنة .
وأما حديث السواك فقد تكلمنا عليه في هذه الفتوى رقم: 138538.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 3217.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني