الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية نصح الوالد الذي يسب الدين عند الغضب

السؤال

والدي رجل متدين, حجّ بيت الله عدة مرات, وهو حافظ للقرآن, مواظب على ترتيله يوميًا, ويؤم الناس في المسجد, وفي بيتنا أحيانًا, وبعث أخواتي للمدارس الشرعية لتعلم الدين, وهو رجل طيب, ولكنه سريع الغضب, وهذه ليست المشكلة, فهو حين يغضب لا يدري ما يقول, ويتفوه بألفاظ لعن وسب للدين والله سبحانه - والعياذ بالله - وهذا الوضع مستمر منذ 25 عامًا وأكثر, وأنا شخص ذو غيرة لله ودينه, ولم أعد أتحمل منه تصرفات كهذه, ولكني في نفس الوقت لا أريد أن أعقه, أو أسبب له نكسة صحية حين أجادله في هذا الأمر, وأرفع صوتي عليه - كما حدث حين كنت مراهقًا - فيغضب عليّ فأسبب لنفسي غضب الله سبحانه, وقد أصبح عمري الآن 25, وهو في ال63 من عمره, وأنا أكبر أبنائه, ومما زادني غضبًا أن أختي الصغرى أسرَّت لي أنها ستتزوج أول من يأتي لخطبتها لتهرب من هذا الوضع العائلي, كما حدث مع أختي الكبرى منذ عقد ونيف من الزمن, فأشيروا عليّ - أفادكم الله - وإذا أعادها ثانية فماذا أفعل؟ وهل تجوز صلاتي معه حين يؤم الناس؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على غيرتك الدينية, ونسأل الله لك التوفيق والسداد والنجاح في هداية والدك، وعليك بالنصح له, ونهيه عن المنكر بحكمة ورفق, فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل القرب والطاعات التي يتقرب بها العبد لربه، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110], وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم وغيره, إلا أننا ننبه إلى ضرورة اختيار الوسائل المناسبة لدعوته، والمحافظة على احترامه وتوقيره.

واعلم أن سب الدين أمره خطير جدًّا, ولا تجوز الصلاة خلف من يصدر منه حال وعيه, إلا إذا تاب, ويجب الإنكار عليه بحسب الطاقة, وأمره بالنطق بالشهادتين، وتجديده التوبة بعد إخباره بشروطها الثلاثة: من الإقلاع عن موجب الإثم، والندم على صدوره منه، والعزم على عدم العودة إليه أبدًا, فقد سئل الشيخ عليش ـ المالكي: ما قولكم في رجل جرى على لسانه سب الدين من غير قصد، هل يكفر، أو لا بد من القصد؟ فأجاب: نعم ارتد؛ لأن السب أشد من الاستخفاف، وقد نصوا على أنه ردة، فالسب ردة بالأولى، وفي المجموع: ولا يعذر بجهل وزلل لسان. انتهى.

وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: سب الدين كفر أكبر وردة عن الإسلام - والعياذ بالله -، إذا سب المسلم دينه أو سب الإسلام، أو تنقص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه ردة عن الإسلام، قال الله تعالى: { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة : 65 ، 66] وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه، أو استهزأ به ؛ فإنه يكون مرتدًا كافرًا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل, وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم, بل يقتل، ولكن الأرجح - إن شاء الله - أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعًا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقًا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة, ولو قتله ولي الأمر سدًّا لباب التساهل بالدين وسب الدين, والمقصود: أن سب الدين والتنقص للدين، أو للرسول صلى الله عليه وسلم, أو الاستهزاء بذلك ردة وكفر أكبر بإجماع المسلمين، وصاحب هذا يستتاب فإن تاب قبل الله توبته، وعفا عنه، أما كونه يقبل في الدنيا أم لا يقبل فهذا محل خلاف بين أهل العلم. اهـ .

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله, أو سب دين الله, أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالًا للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحًا استوفت شروط التوبة, فإن الله تعالى يقبل توبته. اهـ.

وبناء عليه, فإن كان الحال كما ذكرت عن والدك من وقوعه في سبه الدين، فهو على خطر عظيم، إن حصل ذلك منه في حال وعيه.

والواجب عليك هو السعي في هدايته بقدر ما تستطيع، فانصحه ورغبه ورهبه, وأطلعه على خطورة ما صدر منه, ووجوب التوبة منه, ويمكنك الاستعانة على ذلك ببعض الصالحين من الأقارب أو غيرهم، وحثه على مصاحبة الصالحين, وحضور مجالس العلم والذكر مع كثرة الدعاء له بالهداية، ولو أمكن أن تعيره بعض الرسائل والأشرطة المفيدة في هذا الباب ليتأمل فيها وحده, فنرجو ان يكون لذلك أثر عظيم.

وأما عن أختك فيستحب أن تبحث لها عن شاب صالح مستقيم في دينه يتزوجها فإن ذلك من هدي السلف الصالح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني