الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى مشروعية التَّسْبِيحُ فِي آخِرَتَيْ الْعَصْرَيْنِ وَالْعِشَاءِ، وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ بدل الفاتحة

السؤال

سمعت عن الإمام الهادي أنه قال إن في الصلاة في الركعة الثالثة، والرابعة التسبيح بدلا عن سورة الفاتحة. لماذا قال هكذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد ذكر الزيدية – والهادوية منهم - في كتبهم الفقهية أنه يشرع التسبيح بدل الفاتحة في قيام الركعتين الأخريين من الرباعية، والركعة الأخيرة من المغرب، واستدلوا على ذلك بأن هذا مروي عن علي رضي الله عنه.

جاء في البحر الزخار لأحمد بن يحيى بن مرتضى الزيدي: وَالتَّسْبِيحُ فِي آخِرَتَيْ الْعَصْرَيْنِ وَالْعِشَاءِ، وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، مَشْرُوعٌ كَالْقِرَاءَةِ, وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ ... وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِفِعْلِ عَلِيٍّ عليه السلام, وَهُوَ تَوْقِيف. اهــ .
وجاء في حاشيته: ( قَوْلُهُ ) " لِفِعْلِ عَلِيٍّ عليه السلام وَهُوَ تَوْقِيفٌ " رُوِيَ { عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُعْلِنُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، وَالْفَجْرِ، وَيُسِرُّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَ يُسَبِّحُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ، وَالرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ. انْتَهَى. وَأَشَارَ فِي الِانْتِصَارِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا هَذَا حَالُهُ فَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجْرًى، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْأَخْذُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم. اهـــ.
والحاصل أنهم استدلوا بما زعموه عن علي رضي الله عنه, وأثر علي هذا قال عنه الإمام النووي في المجموع: ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَهُوَ كَذَّابٌ مشهور بالضعف عند الحفاظ، وقد روى عنه عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ خِلَافَهُ. اهـ.
ثم إن مشروعية قراءة الفاتحة في الركعتين كاد أن يكون محل إجماع بين الفقهاء.

قال ابن قدامة في المغني: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. اهـ.
وحتى الحنفية القائلون بأن المصلي مخير في الركعتين الأخريين بين القراءة أو السكوت، أو التسبيح قالوا إن القراءة أفضل.

جاء في العناية شرح الهداية: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ... وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ مِقْدَارَ تَسْبِيحَةٍ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ .... إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ. اهــ.
وقد دلت السنة الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الرباعية، والركعة الأخيرة من المغرب بفاتحة الكتاب، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح بدل القراءة، أو كان يسكت، فلا عبرة بقول من خالف سنته صلى الله عليه وسلم.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني