الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مكانة حديث إنما الأعمال بالنيات ودلائله

السؤال

ما هي العلاقة بين حديث: إنما الاعمال بالنيات ـ والقاعدة الفقهية: كل فعل من أفعال المكلفين قد يأخذ حكما شرعيا من 5 ـ إما واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها، أو حراما؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المذكور حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية، قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه، واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي، وابن المديني، وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال: ربعه، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم: بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها، لأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها، ومن ثم ورد: نية المؤمن خير من عمله ـ وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم، أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، فإنه قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث: الأعمال بالنية ـ وحديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ـ وحديث: الحلال بين والحرام بين ـ وقال ابن مهدي: حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم، وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا. اهـ. بتصرف

وقال عنه أبو داود، كما في جامع العلوم والحكم: إنه نصف الإسلام، أي لأن الدين: إما ظاهر، وهو العمل، أو باطن وهو النية.

وقال ابن عبد البر: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَمَلٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يُجْزِئُ.. والأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع صدق النيات.
وقال الخطابي: معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما يكون بالنية، فإن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها.

وقال ابن فورك في مشكل الحديث: الْأَعْمَال الظَّاهِرَة منوطة بِصِحَّة السرائر وَالْإِخْلَاص فِي النيات، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى.. يُرِيد بذلك أَن النيات هِيَ المصححة للأعمال وَأَنَّهَا مَعَ انفرادها عَنْهَا لَا تقع مواقع الْقبُول والأجزاء.

وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَيَدْخُلَ تَحْتَ ذَلِكَ مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ.
وهذ الحديث قد أخذ منه العلماء قاعدة فقهية من القواعد الخمس الكبرى، وهي قاعدة: الأمور بمقاصدها ـ والنية لها علاقة بالأحكام التكليفية بلا ريب، فالأفعال يختلف حكمها باختلاف نية فاعلها، وتتجلي علاقة النية بالأحكام التكليفية في أمور عديدة: منها: أن العبادات ـ واجبة كانت، أو مندوبة ـ لا تصح إلا بالنية.

ومنها: أن المباحات تنقلب إلى مندوبات إذا نُوي بها التقرب إلى الله، كما جاء عن معاذ بن جبل في البخاري: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.

ومنها: أن الأفعال المباحة إذا نوي بها مقصد سيء تنقلب إلى منهيات، فالعبادة التي يراد بها غير الله تكون من المحرمات وفي أبواب المعاملات: من التقط اللقطة بقصد حفظها استحب له ذلك على قول، وإن التقطها بنية التملك حرم عليه الالتقاط، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يعسر حصرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني