الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الشك في إدراك الركوع من عدمه وحكم تكبيرات الانتقال وموضعها

السؤال

أنا في بلد غالب أئمّته يكبرون تكبيرة الانتقال بعد الانتهاء من الانتقال, فمثلًا هم يسمّعون بعد وقوفهم من الرّكوع, وليس أثناء انتقالهم الأمر الذي يربكني إن أردت دخول الصلاة والإمام راكع؛ لأنني لا أستطيع تحديد وقت رفعه من الركوع إلا بالنظر, كونه يؤخر التسميع إلى بعد وقوفه, بل أحيانًا بعد اعتداله واقفًا, ولكن النظر ليس في كل الأحيان يكون متاحًا لي, وشعوري بالإرباك يمنعني من دخول الصلاة والإمام راكع, فأؤجلها كي لا تكون صلاتي ملتبسة عليّ, فما هو الفعل القويم في حال كهذه, خصوصًا أن تكبيرهم في كثير من الأحيان لا يكون بعد وقوفهم مباشرة, بل يمضي وقت ما بعد الوقوف ريثما يوصلون الميكروفون إلى أفواههم, ثم يقولون: سمع الله لمن حمده؟ وأذكر في إحدى المرات أنني دخلت الصلاة وإذا بالإمام يرفع من الركوع, فنزلت للركوع قبل أن يقف الإمام, ثم سبحت سبع تسبيحات, ثم قال: سمع الله لمن حمده, ومن ثم فإنني أبقى دائمًا في شك: هل أدركت الركعة أم لا, فأصبحت لا أدخل الصلاة والإمام راكع, وكما أعلم فإن الإمام أحمد أوجب تكبيرة الانتقال, فهل تبطل عنده صلاة الإمام إذا كان يؤدي تكبيرة الانتقال بعد وصوله للركن الآخر, بل ربما بعد اطمئنانه فيه, بل ربما بعد مضي وقت من اطمئنانه, ومن ثم فماذا علي فعله إن كان يصعب إيجاد إمام يكبر وهو ينتقل؟ مع العلم أنني لست بحنبلي, ولكنني آخذ بالأحوط كونني لم أستطع التيقن من صحة دليل من قالوا باستحباب تكبيرة الانتقال, أو من قالوا بالوجوب - جزاكم الله كل خير -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن إدراك الركوع مع الإمام معتبر, بأن يجتمع المأموم مع الإمام قبل أن يزول عن قدر الإجزاء من الركوع، وقدر الإجزاء هو الانحناء, بحيث يمكنه وضع يديه على ركبتيه - ولو لم يضعهما - وليس إدراك الركوع معتبرًا بتسميع الإمام، جاء في الإقناع وشرحه: (ومن أدرك الركوع معه) أي: الإمام (قبل رفع رأسه) من الركوع، بحيث يصل المأموم إلى الركوع المجزئ قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء منه (غير شاك في إدراكه) أي: الإمام (راكعًا أدرك الركعة, ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو) أي: المسبوق ثم لحقه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا, ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" رواه أبو داود بإسناد حسن, ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام, وهو يأتي به مع التكبيرة, ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة، وعلم منه أنه لو شك: هل أدركه راكعًا أو لا؟ لم يعتد بها ويسجد للسهو وتقدم في بابه. اهـ

وقدر الإجزاء في الركوع بينه الحجاوي بقوله: وقدر الأجزاء انحناؤه بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه نصًا, إذا كان وسطًا من الناس, لا طويل اليدين ولا قصيرهما، وقدره في حقهما، قال المجد: بحيث يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل. اهـ

وعليه, فينبغي عليك النظر إلى الإمام قبل الدخول, فإن أدركت القدر الواجب من الركوع قبل انفصاله عنه فقد أدركت الركوع, وإلا فلا، وإذا شككت في إدراك الركوع فلا تعتد به؛ لأن الأصل عدم الإدراك، وراجع للفائدة الفتويين: 46951 100763.

وأما تكبيرات الانتقال فقد اختلف العلماء في حكمها، وقد بينا أقوالهم في الفتوى رقم: 144847, وجمهور العلماء على أنها سنة وليست بواجبة، قال ابن هبيرة: واتفقوا على الذكر في الركوع وهو: سبحان ربي العظيم، وفي السجود وهو: سبحان ربي الأعلى، والتسميع والتحميد وهو: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد إلى آخره في الرفع من الركوع، وسؤال المغفرة بين السجدتين، وبالتكبيرات مشروع كله, ثم اختلفوا في وجوبه, قال أبو حنيفة, ومالك, والشافعي: كل ذلك سنة, وقال أحمد في الرواية المشهورة عنه: أن ذلك واجب مع الذكر, وروي عنه أنه سنة كمذهب الجماعة. اهـ.

والمشروع في تكبيرات الانتقال أن تكون مقارنة له, فلا يبدأ بالتكبير قبل الانتقال, ولا يتمه بعده، والمشهور في مذهب الحنابلة - القائلين بوجوبها - أن تكبير الانتقال إن أُتي بجزء منه في غير موضع الانتقال فإنه لا يجزئ، واختار جمع من المحققين في المذهب إجزاءه، جاء في الإنصاف للمرداوي: قال المجد في شرحه، وصاحب مجمع البحرين، والحاوي الكبير، وغيرهم: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال، وانتهاؤه مع انتهائه, فإن كمله في جزء منه أجزأه؛ لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع, وإن شرع فيه قبله، أو كمله بعده، فوقع بعضه خارجًا عنه، فهو كتركه؛ لأنه لم يكمله في محله, فأشبه من تمم قراءته راكعًا، أو أخذ في التشهد قبل قعوده, ويحتمل أن يعفى عن ذلك؛ لأن التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر، ففي الإبطال به أو السجود له مشقة, قال ابن تميم: فيه وجهان، أظهرهما: الصحة، وتابعه ابن مفلح في الحواشي, قلت: وهو الصواب. اهـ.

وعلى هذا, فصلاة من يأتي بتكبيرات الانتقال في غير محلها صحيحة - إن شاء الله - والصلاة خلفه جائزة, وقد سبق أن أفتينا بذلك في الفتوى رقم: 26670.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني