الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من دل غيره على معصية فتحول منها إلى كبيرة

السؤال

إذا علمت أحدًا معصية فهل عليّ من الإثم مثل إثمه, فلو استمر الشخص الذي علمته الذنب على ذلك الذنب وحوّله من صغيرة إلى كبيرة, فهل أصبح كأني مرتكبة كبيرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من الأمور المقررة في الشرع أن الإعانة على معصية الله محرمة؛ لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وقد جاءت أدلة كثيرة تبين أن من أعان على معصية له إثم, كما أن لفاعل المعصية إثم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.

وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء .

وعن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: «هم سواء». أخرجه مسلم.

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.

لكن بيَّن جمع من أهل العلم أن الإثم الذي يبوء به المعين على المعصية ليس مماثلًا في القدر لإثم الفاعل، وإنما المثيلة هي في أصل الإثم.

قال القاري في المرقاة في شرح حديث لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: «هم سواء» قال: أي: في أصل الإثم، وإن كانوا مختلفين في قدره .اهـ.

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: وقوله: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" فيه إشكال: وهو أن يقال: الدلالة كلمة تقال، وفعل الخير إخراج مال محبوب، فكيف يتساوى الأجران؟ فالجواب: أن المثلية واقعة في الأجر، فالتقدير: لهذا أجر كما أن لهذا أجرًا وإن تفاوت الأجران, ومثل هذا قوله: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" وقوله: "الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به أحد المتصدقين" وقوله: "من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا" وكذلك قال في الشر، فإنه لعن شارب الخمر, وعاصرها, وحاملها حتى عد عشرة, ولعن آكل الربا, ومؤكله, وكاتبه, وشاهديه. اهـ.

وقال ابن العربي: وقد لعن المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر في الخمر عشرة, ولم ينزله ولم يرتبه أحد من الرواة, وتنزيله يفتقر إلى علم وافر, وذلك أن يكون بشيئين: أحدهما: الترتيب من جهة تصوير الوجود, الثاني: من جهة كثرة الإثم, أما بتنزيلها وترتيبها من جهة الوجود فهو المعتصر, ثم العاصر, ثم البائع, ثم الآكل من الثمن, ثم المشتري, ثم الحامل, ثم المحمول إليه, ثم المشتراة له, ثم الساقي, ثم الشارب, وأما من جهة كثرة الإثم فالشارب, ثم الآكل لثمنها, ثم البائع, ثم الساقي, وجميعهم يتفاوتون في الدركات في الإثم .اهـ.

فيتبين بهذا أنه ليس من اللازم أن ينال المعين على معصية من الصغائر إثم كبيرة في حال إصرار فاعل تلك المعصية عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني