الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الطهارة والصلاة لمن تعاني من استمرار الإفرازات وانفلات الريح

السؤال

أرجو الإجابة عن أسئلتي - رفع الله قدركم - فأنا أعاني من عدة أشياء: الإفرازات والإمساك والرغبة في التبول, وأريد أن أعرف إفرازاتي هل لها حكم الحدث المستمر أم لا؟ فهي تنزل مني بعد الاستنجاء, وإذا انتظرت مدة كربع أو نصف ساعة – مثلًا - أستطيع تجفيفها، ولأني مريضة فأحتاج للتبول كثيرًا كل فترة قصيرة, وأحتاج الحمام ولو كان البول شيئًا يسيرًا, وأستنجي مما يجعل الإفرازات تستمر معي أغلب اليوم, ولو بنسبة بسيطة وشفافة كالماء, ونادرًا ما تكون لزجة وبيضاء, فهل أعتبر صاحبة حدث مستمر أم لا؟ وكل ما أنتظر الإفرازات لتتوقف يأتيني البول ثانية, فأحاول تجفيفها قبل الصلاة, وأستطيع أداء صلاتي أحيانًا دون نزولها, وأحيانًا تنزل في الصلاة, فهل يجب إعادة صلاتي؟ علمًا أن فترة توقف الإفرازات ليست منتظمة, فأحيانًا تكون ربع ساعة, وأحيانًا تكون أقل وذلك في وقت كل صلاة, وأحيانًا أريد التبول ولكني أدافعه لأني أعلم بنزول الإفراز بعده, ومجبرة على الانتظار حتى توقفه, وحين توقفه تأتيني رغبة أخرى في التبول, فأيهما أولى أن أقضي حاجتي أم أن أصلي والإفراز ينزل؟ وأعاني كذلك من صعوبة في الإخراج, وأحيانًا تخرج غازات خفيفة جدًّا, ويحدث تقرقر في المستقيم, والغازات لدي ليست مستمرة, ولكنها في الصلاة – ربما - بسبب وضعيات الصلاة تفلت مني, فماذا أفعل في الصلاة لأنها تفلت مني يقينًا في كل صلاة وأنا متأكدة – لا تقولوا لي إني موسوسة - حتى وإن حاولت جاهدة إخراجها قبل أن أدخل في صلاتي لا يتغير شيء, وأعيد الوضوء والصلاة كثيرًا, وأسرع في صلاتي, وهذا الأمر سبب لي مشقة, وأنا أسمع صوتًا خفيفًا لها, فهل أنا معذورة لعدم قدرتي على التحكم بها, وأنا غير مصابة بسلس الريح؟ وهل يجوز أن أكمل صلاتي حتى وإن خرجت مني؟ فلم أجد فتوى لهذا الأمر لأنها تفلت مني في كل وضوء, وفي كل صلاة, ولا تفلت في باقي اليوم إلا نادرًا - مرة أو مرتين - ونفس الذي يخرج مني في الصلاة بلا صوت أو رائحة أجده نادرًا في غير وقت الصلاة؛ مما يجعلني أتأكد تمامًا أنه يقين, حتى وإن لم يصحبه صوت أو رائحة, وإذا تسلطت عليّ الغازات أو الأخبثان في وقت صلاة الفجر والمغرب – فوقتهما ليس طويلًا – وكان الوقت سيخرج, وأعرف أنني إذا صليت سيفلت مني شيء, فماذا أفعل؟ وأيهما أولى أن أقضى حاجتي أم أدرك الصلاة؟ فأنا أحيانًا أحاول قضاء حاجتي, ولكن بسبب الإمساك لا أستطيع إفراغ كل شيء تمامًا, ويخرج الوقت ولا أستفيد شيئًا, وأحيانًا أقضي حاجتي قبل الصلاة, ولا يتغير شيء حتى وإن ذهب الإمساك. سؤالي الرابع: أصلي أحيانًا وينتقض وضوئي في الصلاة بسبب الإفراز ثم أعيدها, وينتقض بخروج صوت من الدبر ثم أعيدها, ويخرج ريح من القبل, وكثيرًا ما تحدث لي نواقض مختلفة, فهل أعيد الصلاة أيضًا؟. آخر سؤال: قبل دخولي في الصلاة بوقت غير قصير حاولت إفراغ ما بداخلي ولم أستطع, وعندما صليت انفلت مني ريح – كالعادة - في الصلاة وأكملتها؛ لأنه رغم إرادتي ومحاولتي لفترة لم يخرج شيء, وبعد انتهائي من الصلاة استطعت إفراغ الغازات, فهل يلزمني إعادة صلاتي؟ وهل يجب أن أنتظر نهاية وقت كل صلاة ويفوتني دائمًا أجر الصلاة أول الوقت؟ فقد بدأت لا أحافظ على النوافل, ولا أخشع في صلاتي, وأكرر للمرة الأخيرة أنا غير مصابة بالسلس, والغازات عندي خفيفة, وليست مستمرة, ولكن الغازات تنفلت مني يقينًا في وضوئي وصلاتي على شكل فقاعات أحيانًا, أو اندفاع قوي, وأحيانًا يكون معها صوت خفيف.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر من حالتك أن حكمك حكم المستحاضة وصاحب السلس ما دام انقطاع هذه الإفرازات مضطربًا, بأن كان زمن انقطاع هذه الإفرازات يتقدم ويتأخر ويطول ويقصر، فالواجب عليك أن تتوضئي بعد دخول الوقت، وتصلي بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النوافل، ثم لا يضرك خروج الإفرازات ولو أثناء الصلاة، وليس لك أن تتوضئي قبل دخول الوقت.
وأما إن علمت انقطاع هذه الإفرازات في وقت ما، وانتظمت لك بذلك الانقطاع عادة, فإنك لا تصلين إلا في هذا الوقت المعلوم لك لتصلي بطهارة صحيحة، وراجعي الفتويين رقم: 136434، ورقم: 108086.
ولا ينبغي لك حبس البول مع الإحساس بضرورة نزوله لثبوت النهي عن صلاة الإنسان وهو يدافع الأخبثين, ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان.
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُرِيدُ أَكْلَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنِ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِهِ, وَذَهَابِ كَمَالِ الْخُشُوعِ, وَكَرَاهَتِهَا مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ, وَهُمَا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ, وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا كان في معناه مما يَشْغَلُ الْقَلْبَ, وَيُذْهِبُ كَمَالَ الْخُشُوعِ. انتهى.

وكذلك قد يكون في حبس البول مضاعفات سيئة على صحتك.
وأما جواب سؤالك الثاني: فإن كان الأمر كما تقولين من أن خروج الريح يكون في كل وضوء وصلاة يقينًا لا وسوسة؛ فإنك تأخذين حكم صاحب السلس، فتتوضئين لكل صلاة ثم لا يضرك خروج الريح, قال شيخ الإسلام: فالشرع قد استقر على أن الصلاة، بل العبادة التي تفوت إذا أخرت تفعل بحسب الإمكان في الوقت, ولو كان في فعلها من ترك الواجب وفعل المحظور ما لا يسوغ عند إمكان فعله في الوقت، مثل الصلاة بلا قراءة، وصلاة العريان، وصلاة المريض, وصلاة المستحاضة، ومن به سلس البول، والصلاة مع الحدث بلا اغتسال ولا وضوء، والصلاة إلى غير القبلة، وأمثال ذلك من الصلوات التي لا يحرم فعلها، إذا قدر أن يفعلها على الوجه المأمور به في الوقت، ثم إنه يجب عليه فعلها في الوقت مع النقص لئلا يفوت، وإن أمكن فعلها بعد الوقت على وجه الكمال، فعلم أن اعتبار الوقت في الصلاة مقدم على سائر واجباتها. انتهى.
وقال أيضًا - رحمه الله -: فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي, ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة .انتهى.
ومع نفيك أن يكون ما تشعرين به من الوسوسة إلا أننا نرجح أن يكون هذا من الوسوسة؛ ولك أن تتأملي ما يفعل الشيطان بالعبد في صلاته ليفسدها عليه، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا. رواه أبو داود، وصححه الألباني.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا; -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلَاتِهِ, فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ, وَلَمْ يُحْدِثْ, فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا, أَوْ يَجِدَ رِيحًا. قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. انتهى.
فنحذرك من وساوس الشيطان, فإنها تفسد عليك دينك ودنياك.
وبقية أسئلتك يعلم جوابها مما ذكرنا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني