الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استعمال الماء المتغير للطهارة

السؤال

لماذا أحل الوضوء بمياه الحنفية المتغيرة بالكلور والمواد الكيمياوية المطهرة؟ وما الأدلة الفقهية التي اعتمد عليها في هذه الفتوى؟ وهل هناك إجماع للعلماء؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف الفقهاء في الماء إذا تغير بشيء من الطاهرات، على قولين مشهورين:

الأول: أنه لا يجوز التطهير به، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وهي التي اختارها أكثر متأخري الحنابلة.

وحجتهم أن هذا ليس ماء مطلقاً، فلا يدخل في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء [النساء:43].

وأصحاب هذا القول استثنوا من ذلك أنواعا، منها: إذا كان التغير حاصلاً بشيء يشق صون الماء عنه كالطحالب وورق الشجر، أو كان بطول مكث الماء في الأرض، أو كان بشيء لا يمازج الماء كالدهن وقطع الكافور، أو كان بالرائحة المجاورة.. على خلاف بينهم في بعض التفاصيل المتعلقة بهذه المسائل المستثناة.

والقول الثاني: أن هذا الماء المتغير بشيء من الطاهرات، يصح التطهير به ما دام يسمى ماء ولو بالتقييد، كأن يقال: ماء ورد أو ماء زهر، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه.

وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الكلام على هذه المسألة، ورجح هذا القول واستدل بأدلة منها:

1- قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]. فقوله: "ماء" نكرة في سياق النفي، فيعم كل ما هو ماء، لا فرق في ذلك بين نوع ونوع، فلا فرق من جهة اللغة وعموم الاسم بين الماء المتغير بأصل الخلقة أو بما يشق صون الماء عنه، وبين هذا الماء الذي وضع فيه شيء من الملح أو السدر ونحوه.
2- ويدل على ذلك أن الإنسان لو وكل غيره في شراء ماء، فاشترى ماء متغيراً بشيء طاهر، فلا شيء عليه، وكذا لو حلف أن لا يشرب ماء، فشرب هذا المتغير فإنه يحنث.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من قصعة فيها أثر العجين، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
ومن المعلوم أنه لا بد في العادة من تغير الماء بذلك، لاسيما في آخر الأمر إذا قل الماء وتحلل العجين.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل المحرم بماء وسدر، وأن تغسل ابنته بماء وسدر، ومن المعلوم أن السدر لا بد أن يغير الماء، فلو كان التغيير يفسد الماء لم يأمر به.

5- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء البحر: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته. والبحر متغير الطعم تغيراً شديداً لشدة ملوحته، فدل على أن ما كان أخف منه ملوحة أولى أن يكون طهوراً، وإن كان الملح وضع قصداً، إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة. وانظر كلامه في مجموع الفتاوى.

وبناء على هذا القول، فالماء المتغير بالكلور أو بالمواد الكيماوية يصح التطهر به.

هذا وقد فرق جمع من أهل العلم بين المادة التي تضاف لحماية الماء من التغير بطول اللبث أو لإصلاح إناء الماء كالدباغ، وبين غيرها من المواد، فحكموا بعدم سلب الطهورية بما أضيف لإصلاحه أو إصلاح إنائه وبسلب الطهورية فيما أضيف لغير ذلك، ومن هؤلاء من فرق بين ما غير تغيراً شديداً و غيره.

قال صاحب الكفاف من المالكية:

والخلف في مصلحه كالدبغ أصحها ما خف منه ملغي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني