الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكون الإسبال في الثوب؟ وما حكم تقصير الثياب وتطويل السروال؟

السؤال

قرأت رسالة الشيخ العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله تعالى ـ الموسومة بحد الثوب والأزرة، فأعجبني كلامه في التفريق بين الإزار والثوب, وحد كل منهما، ومما قاله:
1ـ ولهذا ـ والله أَعلم ـ فإِنَّ أَلفاظ الروايات بجعل الإِزار إِلى عضلة الساقين، أَو إِلى أَنصاف الساقين, كلها بلفظ: الإِزار، ولم أَقف على شيء منها بلفظ: الثوب. ص8 .
ثم إنه جعل ملامسة الإزار للكعبين من الإسبال المحرم، وقال: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: ليس للكعبين حق في الإِزار: ص15.
وقال الشيخ: واعلموا أَنه لا حق للكعبين في فضول وأَطراف اللباس من إِزار, وثوب, وعباءة ونحوها: ص15.
قلت: ولكن يمكن أن يقال هنا أيضًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لا حق للكعبين في الإزار, ولم يقل في الثوب, ومن ثم يكون هذا النهي عن ملامسة الكعبين خاصًا بالإزار، وهذا استدلال يشبه استدلاله على التفريق بين الثوب والإزار المذكور سابقًا ـ ص8 ـ وكان عليه أن يعمل به هنا كما عمل به هناك، فهل كلامي صحيح؟
وقال: ومن زبدها هنا: قصد اللابس التَّسنُّن بإِرخاء السراويل, وجعل الثوب أَقصر منها بقليل, فهذا تَسَنُّنٌ لا أَصل له في الشرع, ولا أَثارة من علم تدل عليه ـ ص15ـ.
إذا كان يقصد الجمع بين الإسبال في السروال والتقصير في الثوب، فهذا لا شك أنه غير جائز؛ لأنه إسبال على كل حال، وأما إن كان يقصد أن يلبس الجميع فوق الكعبين إلا أنه يجعل الثوب أقصر قليلًا بحيث يظهر السروال من تحته، فهذا قد أشكل عليّ، فأنا أرى كثيرًا من الملتزمين يلبسون كذلك, وإن لم يقصدوا الاستنان بتلك الهيئة بالذات، وإنما قصدهم العمل بسنة تقصير الثوب، وقد اعتادوا على ذلك، فهل في هذا النوع من اللباس مخالفة للسنة؟ أجيبوني - جزاكم الله خيرًا - ومعذرة على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فرحم الله العلامة الشيخ بكر أبو زيد، وأما عن قوله في الثوب وأنه لا حق له في الكعبين كالإزار، فهو الذي تدل عليه الأدلة فإن الإسبال منهي عنه في القميص، كما نهي عنه في الإزار، كما في حديث عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، ومن جر شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. رواه أبو دود والنسائي بإسناد صحيح، كما قال النووي.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار في شرحه لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال: أنا أخبرك بعلم, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك ففي النار، ما أسفل من ذلك ففي النار، لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا.

قال أبو عمر: قد ذكرنا في التمهيد حديث ابن عمر أنه قال: ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإزار فهو في القميص ـ يعني أن ما تحت الكعبين من القميص فهو في النار، وكما قال في الإزار عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره فضول الثياب, ويقول فضول الثياب في النار، وسئل سالم بن عبد الله عما جاء في إسبال الإزار، ذلك في الإزار خاصة، فقال: بل هو في القميص والإزار والرداء والعمامة... اهـ.

وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: في الأحاديث السابقة بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه, ولا يكلمه يوم القيامة, ولا يزكيه, وله عذاب أليم، وأن ما أسفل من الكعبين ففي النار، وبينا أن هذا من كبائر الذنوب, وأنه لا يحل للإنسان أن يلبس ثوبًا نازلًا عن الكعب، وأما ما كان على حذاء الكعب يعني على وزن الكعب فلا بأس به، وكذلك ما ارتفع إلى نصف الساق، فما بين نصف الساق إلى الكعب كله من الألبسة المرخص فيها, والإنسان في حل وفي سعة إذا لبس إزارًا، أو سروالًا، أو قميصًا، أو مشلحًا يكون فيما بين ذلك، وأما ما نزل عن الكعب فحرام بكل حال، بل هو من كبائر الذنوب. اهـ.

وأما موضوع ارتفاع الإزار وتقليص الثوب: فهو مباح في الأصل إن لم يبلغ الإزار الكعبين ولم يقصد التعبد به، وهو من أمور العادات التي تختلف المجتمعات فيها، فالعادة عند الخليجيين أنهم لا يستحبون أن يكون السروال أطول من الثوب, بينما نجد كثيرًا من الأفارقة والقارة الهندية يجعلون الإزار والسروال أطول من الثوب، وقد نبه أهل العلم على مراعاة الشرع والعادة في اللباس فنهوا عن الإسبال وعن ثياب الشهرة، كما قال السفاريني في شرح منظومة الآداب في كلامه على ترك الإسبال ومخالفة العادات: مطلب: في حكم لبس الرقيق وتطويل اللباس وتقصيره ـ ويكره تقصير اللباس وطوله بلا حاجة كبرًا وترك المعود، ويكره تنزيهًا تقصير اللباس ـ أي: الملبوس ـ قال في الفروع: ويكره فوق نصف ساقيه، نص عليه.

وقال أيضًا: يشهر نفسه.

وقال في الآداب: قال ابن تميم: السنة في الإزار والقميص ونحوه من نصف الساق إلى الكعبين, فلا يتأذى الساق بحر وبرد, ولا يتأذى الماشي بطوله ويجعله كالمقيد، ويكره ما نزل عن ذلك، أو ارتفع عنه, نص عليه, وهو المذهب، قال في الإقناع: ويكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه وتحت كعبه بلا حاجة, ولا يكره ما بين ذلك؛ ولذا قال الناظم: مطلب: في حكم إسبال اللباس، ويكره أيضًا طوله ـ أي اللباس ـ إلى تحت كعبيه بلا حاجة، وأما إذا كان لبسه ذلك لحاجة داعية لذلك كستر ساق قبيح من غير خيلاء, ولا تدليس أبيح, وأما إذا كان إسباله للباس كبرًا ـ أي: لأجل الكبر ـ فأطلق الناظم أنه مكروه فقط, والأصح الحرمة، بل هو كبيرة ... قال الناظم - رحمه الله تعالى -: ويكره للإنسان ترك لبس اللباس المعود ـ أي: المعتاد للبسه من قميص وإزار ورداء وغيرها ـ والمراد: أنه يكره له لبس غير زي بلده، بلا عذر، كما هو منصوص الإمام.

مطلب: يكره مخالفة أهل بلده في اللباس، وينبغي أن يلبس ملابس بلده؛ لئلا يشار إليه بالأصابع, ويكون ذلك حاملًا لهم على غيبته فيشاركهم في إثم الغيبة له، وفي كتاب التواضع لابن أبي الدنيا مرفوعًا: نهى عن الشهرتين ـ وتقدم ذلك.

فائدة: سئل الحافظ جلال الدين السيوطي عن طالب علم تزيا بزي أهل العلم, وهو في الأصل من قرى البر, ثم لما رجع إلى بلاده وعشيرته تزيا بزيهم وترك زي أهل العلم هل يعترض عليه في ذلك أم لا؟

أجاب بما معناه: لما اتصف بالصفتين لا اعتراض عليه في أي الزيين تزيا؛ لأنه إن تزيا بزي العلماء فهو منهم, وإن تزيا بزي أهل بلده وعشيرته، فلا حرج عليه اعتبارًا بالأصل، ولأنه بين أظهر عشيرته وقومه، وهذا واضح، ولعل كلام علمائنا لا يخالفه، ومرادهم في قولهم: ويكره خلاف زي بلده, يعني بلا حاجة تدعو إلى خلافهم, فإن من صار من العلماء تزيا بزيهم في أي مصر كان أو بلدة كانت غالبا. والله أعلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني