الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم توزيع التركة إذا كان الدين يستغرقها ويزيد عنها

السؤال

توفي والدي، وترك ميراثا، واتضح أن عليه دينا. فإن دفعنا كل أمواله لتسديد الدين فلن يسدد؛ لأن الدين كبير جدا، والأشخاص الذين لهم دين لا يرضون بالأموال التي معنا. أخي يريد الزواج، ووالدتي تريد أن تزوجه من الأموال التي تركها أبي.
فهل يجوز ذلك مع العلم أن أبي قبل وفاته بأسبوع زوجني، واشترى الذهب لزوجتي، وقبل وفاته سألني: كم كلف زواجك؛ لأني أريد أن أضع لأخيك في البنك مثلك، وبعد ذلك توفي ولم يضع في البنك شيئا.
فماذا الحل الآن هل يجوز أن يتزوج أخي من الأموال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فما دام الميت عليه دين يستغرق كل التركة، فإنه يتعين عليكم دفعها في سداد الدين، ولا حق للورثة في التركة، ولا يتصرفون فيها بشيء لا بزواج ولا غيره، وإنما يسددون دين الميت؛ لأن الدين مقدم على حقهم في المال؛ لقول الله تعالى في قسمة الميراث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ .{ النساء : 12 }. وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الدين إذا كان مستغرقا لكل التركة، فإن التركة لا تنتقل إلى ملكية الورثة بموت المورث، بل تبقى على ملك المورث – الميت – ويسدد بها دينه, وحتى من قال تنتقل إلى ملكية الورثة، فإنه قال يُطالب الورثة بسداده من التركة أو من غيرها.

قال ابن قدامة في المغني: هَلْ يَمْنَعُ الدَّيْنُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ ؟ رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَمْنَعُهُ ... فَإِنْ تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَحَّ تَصَرُّفُهُمْ، وَلَزِمَهُمْ أَدَاءُ الدَّيْنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ، فُسِخَ تَصَرُّفُهُمْ ... وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ }. فَجَعَلَ التَّرِكَةَ لِلْوَارِثِ مِنْ بَعْدِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ قَبْلَهُمَا فَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ، لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِي غَيْرِ مِلْكِهِمْ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْغُرَمَاءُ لَهُمْ .. اهــ مختصرا.
وإذا كان الدين أكثر من التركة، فإنه ليس لأصحاب الدين أن يطالبوكم بسداد الباقي؛ لأنكم لستم المستدينين، بل والدكم. ولا شك أن الأولى أن تسارعوا بإبراء ذمة والدكم؛ وقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مُعَلَّقَةً بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ. رواه أحمد والترمذي وغيرهما واللفظ لأحمد.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ.

وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَيْ أَمْرُهَا مَوْقُوفٌ لَا حُكْمَ لَهَا بِنَجَاةٍ وَلَا هَلَاكٍ حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ يُقْضَى مَا عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا.

وقال الشوكاني عن هذا الحديث: فِيهِ الْحَثُّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالْإِخْبَارُ لَهُمْ بِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ .اهــ.

وانظر الفتوى رقم: 32939.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني