الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

للذنوب أثر كبير في قسوة القلب وفساده

السؤال

أنا إنسان لست بإنسان، أنا بقلب قاس جدا لا يعلمه إلا الله. أريد بالله عليكم أن تساعدوني.
كنت أصلي إلى سن الـ 13 سنة، وبعد ذلك عندما كانت أمي تسألني أقول لها صليت، وأنا لم أصل، وكنت أوهم أني أصلي حتى ولو كنت غير طهارة. المهم وصلت بي المرحلة طبعا من التمثيل أني سببت الله، وأصبحت أتوب وأرجع، واستمررت على هذا الحال إلى أن وصلت أول هذه سنة ( 2013 ) المهم حصل لي موقف جعلني أتوب إلى الله حقا، وتبت إليه، وعزمت على أن لا أنظر إلى النساء، وكنت أسمع آيات من الله، ولما تفرج الأمور بسبب دعائي، كنت أحس أنها موجهة لي؛ لأني كنت أظل أفكر في هذه المواضيع قبل ذلك، فأحس أن الله معي. المهم الشيطان كان يوسوس لي أنه لا يوجد شيء اسمه الله، وكنت أقول لا إله إلا الله، آمنت بالله ورسوله. وأعرف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك صريح الإيمان. بعدها رأيت حكاية صهيب الراهب الذي عبد الله 70 سنة قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت كل دعوة له مستجابة، وأتاه الشيطان ولم يتركه حتى زنا، وكفر، وقتل. فقلت لنفسي: مستحيل أن أبقى هكذا إن شاء الله، الشيطان وسوس لي وقال لي ستكون مثله؛ لأن دعوتك أيضا مستجابة. بعد ذلك كنت أرجع إلى ما كنت فيه واحدة واحدة وأكذب نفسي، وأتفرج على ما كنت أتفرج عليه مرة أخرى، وأستغفر الله، ومتمسك بكلمة: ربنا غفور رحيم ( حجة لي ). وفي نفس الوقت وساوس الإيمان لم تتركني بل وزادت لما زادت شهواتي، وظللت على تكذيب إلى إن وصلت للزنا، وقلت الأمر هكذا، وسمعت كلام الشيطان، وأقول طيب المناوى قال في كتابه: إن إمرؤ القيس بن حجر قال شعرا. ما الذي يمنع النبي من أن يأخذ منه. ووصلت لمرحلة يعني لا أعرف. وقلت طيب. والإثباتات العلمية أكيد كانت من مساعدة الجن، وقلبي أصبح قاسيا جدا لدرجة أن فيه آيات تحصل وأقول لا هذه بسب أني عايش في عالم إسلامي، أو هذا من مساعدة الجن، وأقول لنفسي حتى الرسالة التي أرسلها لكم؛ لأني في عالم إسلامي. فطبيعي أني أفكر في هذا. وأقول الفكر الذي ستردون علي به من مساعدة الجن لكي يضلنا.
أريد العلاج بالله عليكم؛ لأني أحس أن الله لن يتوب علي، ولن يجعل قلبي يرق. والدليل أن الآيات تبدلت أصبحت كلها متوجهة لي بالتكفير، وأنك كفرت بعد إيمانك.
ماذا أفعل قلبي لا يريد أن يرق كل حين أتذكر الآخرة ثم أرجع مرة أخرى وأحس أن المسألة أصبحت استكبارا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم أيها السائل أن للذنوب والمعاصي أثرا عظيما في إفساد القلب وإضلاله، وإفساح المجال للشيطان للدخول إليه؛ قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. { سورة المطففين : 14 }.

قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير: هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. قال مجاهد: القلب مثل الكف، ورفع كفه فإذا أذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب ذنباً آخر انقبض ، وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها، حتى يطبع على قلبه. قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين. اهـــ.

فما تجده من قسوة القلب، والوقوع في الذنوب صغيرها وكبيرها، وورود الشبهات على قلبك، إنما هو بسبب الذنوب. فإذا أردت أن تعالج قلبك فابتعد عن الداء وهو الذنوب، واستعمل الدواء وهو في الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا، والإكثار من دعائه والإنابة إليه؛ فإن الله تعالى يتوب على المنيبين؛ قال تعالى: ... قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. {سورة الرعد : 27 }.

واحرص على مخالطة الصالحين ومجالستهم؛ فإن من أسباب العودة إلى الذنب بعد التوبة منه مخالطة رفقاء السوء، والبقاء في البيئة الفاسدة التي تحيط بالمرء؛ ولذا لما أراد القاتل تسعة وتسعين نفسا أن يتوب دله العالم على أن يهاجر من أرضه؛ لأنها أرض سوء ويذهب إلى أرض بها أناس صالحون يعبد الله معهم, والحديث في صحيح مسلم.

قال النووي في شرحه: فِي هَذَا اِسْتِحْبَاب مُفَارَقَة التَّائِب الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَ بِهَا الذُّنُوب، وَالْأَخْدَان الْمُسَاعِدِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَاطَعَتهمْ مَا دَامُوا عَلَى حَالهمْ، وَأَنْ يَسْتَبْدِل بِهِمْ صُحْبَة أَهْل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَالْعُلَمَاء وَالْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ، وَيَنْتَفِع بِصُحْبَتِهِمْ، وَتَتَأَكَّد بِذَلِكَ تَوْبَته. اهــ.
ولتحذر كل الحذر من أن تعتقد أن الله لن يتوب عليك أبدا؛ لأن هذا قنوط من رحمة الله, وهو محرم، ولا يقل عن الذنوب التي وقعت فيها. وقد جاء في الحديث الذي رواه البزار وحسنه الألباني: الكبائر: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله . وعند البخاري في الأدب المفرد مرفوعا: ثلاثة لا تسأل عنهم - وذكر منهم - رجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله. فإياك أن تقنط فإن الله غفور رحيم سبحانه وتعالى، ومن محبته للمغفرة أنه لو لم نذنب لذهب الله بنا وأتى بقوم يذنبون ليغفر لهم كما في صحيح مسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ.

نسأل الله أن يطهر قلبك، ويصلح حالك، ويقوي إيمانك.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني