الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهة حول خلود الجنة والنار وأهلهما

السؤال

قرأت الفتوى بخصوص آخرية الله، فلم أفهم بعد كيف لا تشاركه الجنة في صفة الآخر الذي ليس بعده شيء؟ كلاهما باق إلى الأبد؟ فهل تقصدون أن بقاء الله ضروري، أما الجنة فبقاؤها بإبقاء الله لها؟ وكيف يكون الله متفردا بالآخرية إذا كانت الجنة باقية؟ وما هو الرد العقلي على من قال بفناء النار والجنة، لأن الأزلية لله وحده؟ وهل من العدل أن يخلد أهل الدارين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن الله تعالى هو الآخر الذي ليس بعده شيء، كما قال تعالى عن نفسه الكريمة: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ {الحديد:3}.

وكما جاء في الحديث الصحيح: وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. رواه مسلم وغيره.

وبقاءُ الجنَّة والنَّار وخلودُ أهلهما فيهما إلى غير نهاية لا يُنافي كون الله عزَّ وجلَّ الآخرَ الذي ليس بعده شيء، لأنَّ بقاءَ الله عزَّ وجلَّ لازمٌ لذاته بخلاف الجنَّة والنار وأهلهما، فإنهم باقون بإبقاء الله لهم وليس بذاتهم، ولو لم يشأ الله إبقاءهم لما حصل، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: وَبَقَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ لِذَاتِهِمَا، بَلْ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ لَهُمَا. اهـ.

وقال أيضا: وَقَالَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْمُعَطِّلَةِ، وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ قَطُّ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَفَّرُوهُ بِهِ، وَصَاحُوا بِهِ وَبِأَتْبَاعِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَهَذَا قَالَهُ لِأَصْلِهِ الْفَاسِدِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ، وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُودِ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنَ الْحَوَادِثِ! وَهُوَ عُمْدَةُ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ.. اهــ.
وأما الرد العقلي على من قال بفنائهما: فيكفينا في الرد أن نعلم أن العقل لا يستحيل فيه بقاؤهما بإبقاء الله لهما: والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع المنقول قد دلت على ثبوت ذلك، وقد قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ {العنكبوت:51}.

قال الشيخ السعدي: فلا كفى اللّه من لم يكفه القرآن، ولا شفى اللّه من لم يشفه الفرقان، ومن اهتدى به واكتفى، فإنه خير له. اهـ.
وأما هل من العدل خلود أهل الجنة وأهل النار: فنقول إن الخلود ما دام بفعل الله تعالى، فهو عدل، وأنت تعلم أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئا, قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس: 44}.

قال الشيخ ابن عثيمين في حكمة خلود أهل النار: والحكمة تقتضي ذلك، لأن هذا الكافر أفنى عمره، كل عمره في محاربة الله عز وجل ومعصية الله، والكفر به، وتكذيب رسله مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق، ودعي إليه وقوتل عليه، وأصر على الكفر والباطل فكيف نقول: إن هذا لا يؤبد عذابه؟. اهـ.

وخلود أهل الجنة فيه وفاء بوعد الله تعالى لهم، لأنه وعدهم بالخلود، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوية: 72}.

وكما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّ {لقمان:8ـ 9}.

وانظري للأهمية الفتوى رقم: 197123.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني