الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استخدام المنتجات المحتوية على الكحول

السؤال

السـادة الأفـاضل: كنتُ فيما مضى أستخدم العطور الكحولية، إلى أن عرفتُ من خلال موقعكم الكريم، أن الأئمة الأربعة يرجحون نجاسة الخمـر، وتوقفتُ عن استعمال العطور، وكنتُ أظن أن المسألة تقتصر على العطور. ولكنني من خلال قراءاتي في المواقع الأجنبية، وتواصلي مع الشركات الأجنبية، اكتشفت حقيقة لا مراء فيها، وهي أننا نستخدم منتجات كثيرة في عالمنا العربي دون أن ندري أنها تحتوي على كحول إيثيلي. المسلمون في الدول الأجنبية تنبهوا لهذه المسألة، وتمكنوا من إنتاج مستحضرات تجميل أطلقوا عليها كلمة "حلال"، ومن شروط هذه المنتجات أولاً خلوها من الكحول الإيثيلي. وثانيًا خلوها من المشتقات الحيوانية (الأمر لا يقتصر على الخنزير، بل يشمل أيضًا مشتقات الأبقار وغيرها من الحيوانات الميتة التي لم تذبح وفق الشريعة الإسلامية).
*إخوتي في الله، بعد رحلة بحث طويلة، اكتشفتُ أن الكحول يدخل في معظم المنتجات التي نستخدمها في حياتنا اليومية (الصابون والكريمات، والشامبوهات، ومساحيق الغسيل وغيرها من مستحضرات التجميل، ومنتجات التنظيف). لدرجة أنني كنت أستخدم كريم شعر، قد كتب عليه أنه "خال من الكحول"، ولكنني وجدت بالصدفة ضمن مكوناته "عطر" واتصلت بالشركة المصنعة، وقالوا لي إن مكونات الكريم نفسها لا يوجد بها كحول، ولكن "العطر" المستخدم يوجد به كحول إيثيلي، ووجدت نفس المعلومة على موقع شركة تجميل أخرى، وإلى الآن لا أجد كريم شعر تخلو مكوناته من "العطر"، فأنتم إذا قرأتم مكونات معظم المنتجات التي نستخدمها يوميًا، ستجدون كلمة "عطر" موجودة في معظم (بنسبة تزيد عن 90%) مستحضرات التجميل، ومستحضرات العناية الشخصية التي نستخدمها يوميًا. الصابون، على سبيل المثال، الذي لا يمكننا أن نستغني عنه يعتمد على المشتقات الحيوانية في المقام الأول، ولكنني أعتقد أن الصابون الذي يصنع في بلادنا الإسلامية لا مشكلة فيه فيما يخص المشتقات الحيوانية؛ لأنني أعتقد أن هذه المشتقات الحيوانية مصدرها البلدان الإسلامية، المشكلة تتمثل في احتواء معظم أنواع الصابون على كحول إيثيلي (وإن كان بدرجات مختلفة) لأن معظمها معطر (أو كما نقول صابون برائحة)، وهذا ما تأكدتُ منه بنفسي من خلال قراءاتي، ومن خلال تواصلي مع الشركات المصنعة لهذه الأنواع من الصابون.
*باختصار، ما وددتُ أن أقوله أننا في عالمنا العربي لا نتنبه لهذه المشكلة، حتى إن بعض مشايخنا الكرام لا يعلمون هذه المعلومات العلمية، على عكس المسلمين في البلدان الأجنبية الذين تنبهوا لهذه المسألة، ووجدوا حلولاً لها من خلال شركات تخصصت في إنتاج المستحضرات التي أطلقوا عليها "حلال"، وهذا الأمر معروف تمامًا في دول مثل المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وماليزيا، ولكنه غريب علينا في عالمنا العربي (وإن كانت بعض الشركات المنتجة لمستحضرات التجميل "الحلال" بدأت تصدر منتجاتها إلى دولة الإمارات الشقيقة).
المشكلة يا إخواني أن المسلمين في العالم العربي لا يعرفون أن معظم ما يستخدمونه بصفة يومية به كحول إيثيلي، وهذه ليس شائعات، ويمكن لأي أحد أن يتأكد من خلال التواصل مع الشركات المنتجة، ومن خلال قراءة المكونات وستجدون كلمة "عطر" موجودة في معظم المستحضرات التي نستخدمها بصفة يومية، ناهيك عن المشتقات الحيوانية (خصوصًا في المنتجات المصنوعة في الدول الأجنبية). أنا عن نفسي بحثتُ كثيرًا، وتواصلتُ مع شركات كثيرة، إلى أن توصلت إلى قناعة وهي صعوبة العثور على مستحضرات تجميل خالية من العطور في بلادنا العربية. كما قلتُ لكم، بحثتُ كثيرًا، ولم أجد في دولتي، كريمًا للشعر، على سبيل المثال، يخلو من "العطور"، وإذا أردت أن أستعمل أي كريم للشعر يخلو من العطور، فلا بد لي أن أطلبه من الدول الأجنبية التي تنتج مستحضرات التجميل "الحلال".
ألا ترون أن الأمر أصعب على المسلمين، الذين يعيشون في البلدان الإسلامية، مقارنة بإخوانهم الذين يعيشون في الدول الأجنبية. لا أعلم ماذا نفعل! كيف يمكن أن نطلب من حكوماتنا أن نستورد هذه المستحضرات التي يطلق عليها "حلال"، هل دولة كماليزيا أكثر حرصـًا على الإسلام من بلادنا العربية!
أخبروني بالله عليكم ماذا نفعل في هذه الحالة، الكحول الإيثيلي يحيطنا من كل صوب وحدب، وهناك منتجات لا يمكن الاستغناء عنها، وما ذكرته لكم معلومات مؤكدة، خلصتُ إليها بعد رحلة بحث طويلة، ومن خلال تواصلي مع الشركات المنتجة لهذه المستحضرات.
وهـل يمكن من خلال منبركم هذا أن تحثوا المسؤولين في حكوماتنا العربية إلى الانتباه لهذه المسألة. وأخبروني ماذا أفعل إن لم أجد بديلاً لهذه المنتجات؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ففي البداية نشكرك على قمت به من جهد وبحث, وننبهك على المسائل التالية:

1ـ الكحول تعتبر خمرا، ومن المعلوم أن الخمر نجسة عند أكثر أهل العلم كما ذكرنا في الفتوى رقم: 116140

2ـ إذا أضيفت الكحول إلى بعض المنتجات : (الصابون، والكريمات، والشامبوهات، ومساحيق الغسيل وغيرها من مستحضرات التجميل ومنتجات التنظيف). فقد تنجست هذه المنتجات ولا يجوز استعمالها.

3ـ إذا كانت الكحول قد استحالت عن أصلها، كأن عولجت وصارت غير مسكرة، فقد طهرت، وإذا أضيفت بعد ذلك إلى تلك المنتجات، فلا تنجسها. هذا على مذهب بعض أهل العلم القائلين بطهارة العين النجسة إذا استحالت عن أصلها، وقد رجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال - كما في المستدرك على مجموع الفتاوى- : والصواب هو القول الأول، وأنه متى علم أن النجاسة قد استحالت فالماء طاهر، سواء كان قليلا أو كثيرا، وكذلك في المائعات كلها، وذلك أن الله تعالى أباح الطيبات وحرم الخبائث، والخبيث متميز عن الطيب بصفاته، فإذا كانت صفات الماء وغيره صفات الطيب دون الخبيث، وجب دخوله في الحلال دون الحرام. انتهى.

وقال أيضا في مجموع الفتاوى: وهذا القياس في الماء هو القياس في المائعات كلها، أنها لا تنجس إذا استحالت النجاسة فيها ولم يبق لها فيها أثر؛ فإنها حينئذ من الطيبات لا من الخبائث. انتهى.

وضابط معرفة استحالة الكحول عن أصلها سبق بيانه في الفتوى رقم: 64509 وراجع تفاصيل الخلاف في هذه المسألة وذلك في الفتوى رقم: 6783.
4ـ قد لمسنا من خلال أسئلة سابقة للسائل الكريم, أن لديه وساوس مستحكمة, وبناء على ذلك فإننا ننصحه بالإعراض عنها وعدم الالتفات إليها؛ فإن ذلك هو أنفع علاج لها؛ وراجع المزيد في الفتوى رقم: 3086.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني