الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموسوس.. وحديثه النفسي في الطلاق

السؤال

أرجو من الله ثم منكم أن تريحوني من همي الثقيل: مشكلتي الوسواس القهري: أصلي الأوقات والنوافل وأعمل الخير الكثير ـ والحمد لله ـ وأحب زوجتي وأطفالي أكثر من أي شيء في العالم، كان الوسواس يأتيني في الطهارة والمرض وكنت أتغلب عليه، والآن أصبح مرضا لا يطاق فقد أتاني في العصمة الزوجية من خلال قراءتي للفتاوى وكتب الفقه، لم أتلفظ في حياتي بألفاظ أو أيمان تؤثر على العصمة الزوجية، ومشكلتي حديث النفس الذي لا يتركني، كدت أجن، وأصبحت أسأل الله الموت إن كان خيرا لي، وأصبحت لا أتكلم مع زوجتي وأصدقائي... إلا قليلا يأتيني قبل أي فعل مثل: الصلاة، والأكل لصنف معين، وشرب مياه، ورد على التليفون... وذات مرة كنت عند صديق في بيته وحدثتني نفسي بأنه يجب أن أغسل الكوب الذي شربت فيه أو أن العصمة الزوجية ستتأثر.....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج همك وينفس كربك ويذهب عنك ما تجد ويشفيك شفاء تاما لا يغادر سقما، سبحانه هو الشافي لا شفاء إلا شفاؤه، واعلم أن الوساوس من كيد الشيطان ليدخل بها على المؤمن الهم والغم وينكد عليه حياته، فهو عدو الإنسان، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}.

ومن وصلت به الوساوس إلى هذا الحد فإنه مغلوب على أمره، وهو غير مؤاخذ ولو تلفظ بصريح الطلاق فضلا عن أن يكون الأمر مجرد حديث نفس، قال صاحب التاج والإكليل: سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه فيقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك ويقول للخبيث: صدقت، ولا شيء عليه، ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا طلاق فيه، لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه. اهـ.

وما ذكره العلماء هنا من الإعراض عن هذه الوساوس تماما وعدم الالتفات إليها لهو من أفضل سبل علاجها، وفيه إغاظة للشيطان ورد لكيده، وقد ذكرت أنك جربت ذلك فداوم عليه ولا تجعل له سبيلا لرجوعك إليها، ومن أهم ما نوصيك به أيضا هو الالتجاء إلى الله والتضرع إليه ودعاؤه بذل وانكسار أن يرزقك العافية، فإنه سبحانه مجيب دعوة المضطر وكاشف الضر، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.

وعليك بلزوم ذكره والإكثار منه، فإن الذكر مطردة للشيطان وحصن منيع من شره وكيده، وهو جالب لطمأنينة النفس وسكون القلب، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

واحرص على المحافظة على أذكار الصباح والمساء خاصة، فهي من خير ما يتسلح به المؤمن في نهاره وليله، ومما نرشدك إليه أيضا رقية نفسك بالرقية الشرعية بالقرآن والأذكار والأدعية النبوية، ورقية المسلم نفسه هي الأفضل وإن احتاج لمن يرقيه من المستقيمين عقيدة وعملا فلا بأس بذلك، وننبه إلى مراجعة الثقات من أهل الاختصاص في الطب النفسي عند الحاجة إلى ذلك، فربما وجدت منهم إرشادات مهمة، أو بعض العقاقير التي تهدئ من آثار مثل هذه الوساوس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني