الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على عالمية الدين الإسلامي وأنه الدين الحق وجوب الحكم بالشرع المنزل

السؤال

عندي بعض النقاط التي أريد الاستفسار عنها, وأتمنى أن يكون الرد من القرآن وليس الحديث؛ لأني لا أثق بالحديث كثيرًا. هل توجد آية قرآنية تؤكد أو توضح أن الإسلام هو دين لكل زمان ومكان؟ وهل هناك آية قرآنية تشير إلى أن الإسلام هو دين لكل البشرية؟ وهل يمكن اعتبار "رحمة للعالمين" أنه نزل لكل الشعوب, ومن الواجب نشره بين كل الشعوب؟ وهل هناك آية تشير إلى وجوب أن تكون الحكومة إسلامية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فأما كونك لا تثق بالأحاديث كثيرًا فهذا يحتاج منا إلى نصيحة لك, وبيان أن الأحاديث النبوية حجة, ومصدر للتشريع, والتشكيك في كونها كذلك يعتبر انحرافًا عن القرآن نفسه, وتشكيكًا في شيء منزل من السماء, فقد دل القرآن على أن الله تعالى أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شيئًا آخر مع القرآن اسمه الحكمة، فقال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {النساء: 113} وامتن علينا سبحانه بأن نبينا يعلمنا شيئًا آخر مع القرآن اسمه الحكمة، فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {الجمعة: 2} قال ابن كثير: يعني: القرآن والسنة. اهــ .
وأمر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكرن ما يُتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة, فقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ {الأحزاب: 34} قال ابن جرير الطبري - رحمه الله - في تفسيره: يعني بالحكمة ما أوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أحكام دين الله، ولم ينزل به قرآن، وذلك السنة. اهــ
كما أمرنا الله تعالى في كتابه بأن نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم, وكيف نطيعه إن شككنا في سنته؟! وأمرنا بالأخذ بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر:7}، وأمرنا بالصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, وكل هذه الأوامر جاء تفصيلها في الأحاديث, فلو لم تأخذ بالأحاديث وتعتبرها حجة ومصدرًا للتشريع لما أحسنت الصلاة, ولا الزكاة, ولا الصيام, ولا الحج, ولو سألك سائل هل يوجد في القرآن أن الظهر أربع ركعات, والعصر كذلك, والمغرب ثلاث ركعات, ولم يقبل منك إلا دليلًا من القرآن لما وجدت القرآن يفصل في عدد الركعات, فهل ستعتبره محقًّا في طلبه حينئذ؟! فاحذر - أيها السائل - من خطورة التشكيك في حجية السنة النبوية, وانظر المزيد في الفتوى رقم: 199637 عن جواب شبهة حول العمل بالأحاديث النبوية والاحتجاج بها.
وأما ما طلبته من القرآن عن دين الإسلام, فقد دل القرآن على أن الدين عند الله الإسلام, كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19} وأخبر أنه لا يقبل دينًا سواه، فقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85} ولم يستثن زمانًا دون زمان, ولا أمة دون أمة, ولا مكانًا دون مكان, فدل على أنه عام لكل زمان ومكان وأمة, حتى الأنبياء السابقون كان دينهم الإسلام؛ كما بيناه بأدلته من القرآن في الفتوى رقم: 77096.

ودل القرآن أيضًا على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعًا، فقال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا {الأعراف: 158} ولم يخص زمنه دون ما بعده من الأزمان, ولا بلده دون سائر البلدان, ولا أمته دون سائر الأمم, بل للناس جميعًا كما هو صريح الآية الكريمة, وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين دليل على أن رسالته عامة إلى الأزمان والأمم التي تليه إلى قيام الساعة, ولو لم يكن كذلك لأرسل الله إليها رسلًا مبشرين ومنذرين, وعالمية الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرة في تشريعاته لمن تدبرها.
وأما الحكومة الإسلامية فإن الله تعالى أمر في كتابه بالحكم بوحيه المنزل من السماء, والتحاكم إليه في كثير من الآيات, كقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {المائدة:44}، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {المائدة:45}، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {المائدة:47}، وقال تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ {المائدة:48} وقال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ {المائدة:49}، وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ {الأنعام:57}، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ {الشورى:10}, وهذه النصوص فيها دلالة واضحة على أن الحكم يكون بالشرع المنزل؛ لأن هذا هو حكم الله, فيجب على أي حكومة تقوم أن تتبع أمر الله تعالى, وتذعن إليه, ولا يجب تسميتها بالحكومة الإسلامية أو غيرها, فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء.
ونحن نوصي إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بتقوية صلتهم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, والاجتهاد في طلب العلم الشرعي, فقد بلغ الجهل بالأمة في هذه الأزمان المتأخرة إلى درجة الجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة, وبهذا الجهل تنقض عرى الدين, وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُروةً عُروةً, فكُلَّما انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيها, فَأوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الحُكْمُ, وآخِرُهُنَّ: الصَّلاةُ اهــ .

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني