الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الخصومة بين الإخوة وسبل الوقاية منها

السؤال

أنا وأختي لا نتكلم، وبيننا خصومة مستمرة. وإذا تصالحنا فلا تبقى المصالحة أكثر من شهرين ثم نعود ونختلف، وأحيانا تستمر لمدة سنتين. بصراحة أبي وأمي منذ 5 سنوات تقريبا كانوا يحبونها جدا، ويميزونها عني، ويضربوني بسببها، ويلوموني على أخطائها؛ لذلك لم نعد نتكلم، ولكن الآن أبي يحبني أنا أكثر بعد أن أصبحت نفسيتي سيئة جدا، وأحيانا يبكي عند ما يجرحني، ويطلب مني العفو.
سؤالي: هل الله لا يقبل أعمالنا؛ لأننا متخاصمتان رغم أني أحبها، ولا أسمح لأحد أن يتكلم بسوء عنها ولكن هي ... لا أعلم. وتشارك أحيانا من يتكلم بسوء عني وأنا مرتاحة؛ لأني لا أكلمها بسبب الشجار المستمر.
فأرجوكم أرشدوني ماذا أفعل رغم أنه من الصعب أن أصالحها فهي تتجاهلني كثيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران بين المسلمين، وكلما طال الهجر كان الإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني. وإذا كان التدابر والهجران بين الأخوات من النسب كان ذلك أشد؛ فإن قطع الرحم من الكبائر، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري. كما أن الهجران والتشاحن سبب في تأخير الغفران وقبول الأعمال، فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.

وعليه؛ فلا يجوز لك هجر أختك، واعلمي أن ما تجدينه في صدرك نحوها إنما هو من نزغات الشيطان؛ فإنّ من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين، وحصول التدابر والتباغض بينهم؛ ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم؛ قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا. الإسراء (53).
والذي ينبغي عليك أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان، وتحسني الظن بها وتعامليها بالمعروف، ومن أنفع ما يعينك على التخلص مّما تجدينه نحوها ألا تستسلمي لما يلقيه الشيطان في قلبك نحوها، وكلما وسوس لك الشيطان بسوء نحوها فقابلي ذلك بالدعاء لها بخير؛ فإن ذلك بإذن الله يردّ كيد الشيطان، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة، ويقي شر نزغات الشيطان؛ قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . فصلت(34)
كما أنّ المبادرة بالكلام الطيب -ولو تكلّفا- مما يذهب الأحقاد ويجلب المحبة.

قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت، أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقلّل مرغوبها، وتعوّد القلوب التآلف والتحاب. إحياء علوم الدين.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني