الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما رأيكم في من قال إن المسلم إذا حج غفر الله له كل الذنوب حتى الديون التي جحدها والأموال التي اغتصبها من غير استحلال استدلالا بقوله عليه الصلاة والسلام: أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصرا، ورواه مسلم وغيره أطول من هذا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجمهور أهل العلم على أن الحج إنما يكفر الصغائر، وأمّا الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة، وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: وَأَمَّا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ فَإِنَّهُمَا لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ، وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِغُفْرَانِ الْكَبَائِرِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ، فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى هَدْمِهِمَا الصَّغِيرَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَيُحْتَمَلُ هَدْمُهُمَا الْكَبَائِرَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ، عَرَفْنَا ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ فَرَدَدْنَا الْمُجْمَلَ إِلَى الْمُفَصَّلِ، وَعَلَيْهِ اتِّفَاقُ الشَّارِحِينَ، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: يَمْحُو الْإِسْلَامُ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ كُفْرٍ وَعِصْيَانٍ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ اللَّهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْحَجِّ وَالْهِجْرَةِ إِجْمَاعًا. انتهى.

وقال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: الحج المبرور يكفر ما عدا تبعات الآدميين، كما حكى بعضهم الإجماع على هذا الاستثناء. انتهى.
وفي حاشية ابن عابدين: قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَيْسَ مَعْنَى التَّكْفِيرِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ, وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ. اهـ.

وقد ذكر ابن نجيم أن مراد من قال إن الحج والهجرة يهدمان ما قبلهما، أنه تكفير إثم تأخير رد المظالم إلى أصحابها، فقال رحمه الله: والصحيح أن الحج لا يكفر الكبائر، وليس مراد القائل بأنه يكفرها أنه يسقط عنه قضاء ما لزمه من العبادات وتركه، والمظالم والدين، وإنما مراده أنه يكفر إثم تأخير ذلك، فإذا فرغ منه طولب بقضاء ما لزمه، فإن لم يفعل مع قدرته، فقد ارتكب الآن الكبيرة الأخرى، والمسألة ظنية، فلا يقع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى، فضلاً عن حقوق العباد. انتهى.

وما أشار إليه ابن نجيم بقوله: فإن لم يفعل مع قدرته، فقد ارتكب الآن الكبيرة الأخرى ـ فيه رد على من ظن أن من حج وعليه مظالم للناس ولم يردها إلى أصحابه مع قدرته على ردها أنه يكون بذلك سالما من الكبائر، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 24433، ورقم: 119946.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني