الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأحكام المترتبة في مسالة تدلي الزرع على ملك الغير

السؤال

ورث زوج عمتي وأخوه عن أبيهما قطعة أرض فقسموها بينهما قسمين ووضعوا بين القسمين علامة, فعندما يريد أحدهما أن يزرع في أرضه فإنه يلزمه أن يبتعد عن هذه العلامة مسافة نصف متر لكي يخرج هذا الزرع في أرضه ولا يتعدى على أرض جاره، ولكن الأخ قام بالزراعة قرب الشبك ولم يبتعد تلك المسافة مما أدى إلى تدلي زرعة على أرض زوج عمتي, فاعتبر زوج عمتي أن أخاه متعد على أرضه، لأنه لم يلتزم بالعرف ولم يستأذن منه ويسأل: ماذا يحق له أن يفعل بهذا الزرع؟ قامت عمتي بقطف ثمار من هذا الزرع وطبخت بعضه ظانّة حلَّ ذلك ثم شكت فوضعت الباقي في البراد منتظرة الفتوى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب أنه ليس من حق أحد أن يعتدي على أرض جاره، ولو كان ذلك بأغصان الشجر المزروع في أرضه هو، وعلى صاحب الرزع أن يحول هذه الأغصان إلى أرضه، فإن لم يمكن فعليه قطعها، فإن لم يفعل فمن حق من تدلى شجر جاره على أرضه أن يزيل تلك الأغصان عن ملكه، جاء في المغني لابن قدامة: فَصْلٌ: إذَا حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ هَوَاءِ جِدَارٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ عَلَى نَفْسِ الْجِدَارِ، لَزِمَ مَالِكَ الشَّجَرَةِ إزَالَةُ تِلْكَ الْأَغْصَانِ، إمَّا بِرَدِّهَا إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَإِمَّا بِالْقَطْعِ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الْقَرَارَ، فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ كَالْقَرَارِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إزَالَته، لَمْ يُجْبَرْ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى إزَالَتِهِ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ، لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إزَالَتِهِ، وَيَضْمَنَ مَا تَلِفَ بِهِ، إذَا أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا مَالَ حَائِطُهُ إلَى مِلْكِ غَيْره عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ـ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، إذَا امْتَنَعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْهَوَاءِ إزَالَتُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَدْخُلُ دَارِهِ لَهُ إخْرَاجُهَا، كَذَا هَاهُنَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهَا بِلَا إتْلَافٍ وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُهُ وَلَا غَرَامَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهَا، كَمَا أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْبَهِيمَةِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهَا، فَإِنْ أَتْلَفَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ غَرِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَتُهَا إلَّا بِالْإِتْلَافِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُ مَالِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ. اهـ.

وأما ما قامت به عمتك من قطف الثمر دون إذن صاحبه: فلا يجوز لها ذلك، وعليهم أن يستحلوا صاحبه، فإن سامح وإلا بذلوا له قيمة ما أخذوا، وردوا له ما حفظ عندهم في البراد، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 51744، ورقم: 161127.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني