الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زنى بفتاة وتزوجها بدون علم أهله فضغطوا عليه فطلقها، ويريد إرجاعها

السؤال

أشكركم على هذا الموقع الرائع.
أنا شاب متزوج، أحببت فتاة من سبع سنوات، وأنا الذي ربيتها، وعلمتها أشياء كثيرة تجهلها. وفي لحظة ضعف أخطأت معها، وكنا عندما نتوب نرجع -والعياد بالله- للزنا، لم نستطع أن نبتعد عن هذا الغلط؛ لذلك قررنا أن نتزوج لكي نرضي الله، ويغفر لنا ذنوبنا، ولكن المشكلة أن أهلي جميعا لن يوافقوا على هذه الفتاة؛ لأنها ليست من مستواهم، ويقولون بأن الناس طبقات، ولا يعلمون بأن الناس سواسية كأسنان المشط. ولأسباب كثيرة ليست من ذنب الفتاة ذات يوم حملت الفتاة، وقلت لها أن تذهب إلى أمي وتخبرها كي تستر عليها، لكن أمي رفضتها، وقالت لي اذهب بها إلى الدكتورة كي تجهض، وتعمل عملية ترقيع. وقد رفضت؛ لأنني لا أريد أن أقتل الجنين فأفعل ذنبا أعظم من ذنب الزنا. واعتنيت بهذه الفتاة، وبحملها، وقررت أن أتزوجها بدون علم الأهل، ولكن الجنين مات عند ما كان عمره ثلاثة أشهر، فأجهضت الجنين عند الدكتورة. وبعد شهرين ذهبت أنا وأربعة رجال من أصحاب الخير لطلب يد الفتاة من أهلها بدون علم أهلي. وتمت الموافقة، وكتبنا الكتاب. وعندما علم أهلي حصلت مشاكل كثيرة، وطلبوا مني أن أطلقها، ولكني رفضت. أخذني أبي وستة من إخوتي إلى المحكمة، وأجبروني على أن أطلقها، وقلت للقاضي لا أريد، لكنهم أجبروني، وطلقتها وأنا والله العظيم لا أريد أن أطلقها، ولكن ظروفي أقوى مني، مع العلم بأني دخلت على الفتاة بدون علم أهلها، ولكن لم أخبر القاضي؛ لأنني لم أستطع بسبب إخواني، وأنا أريد هذه الفتاة.
أرشدوني ماذا أفعل فأنا بحاجة شديدة للمساعدة، فلا يوجد أحد يستطيع أن يتكلم مع أهلي في هذا الموضوع.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك أولا على إعجابك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك إلى طاعته، والسير على الصراط المستقيم حتى الممات، إن ربنا سميع قريب.

والواجب عليك وعلى هذه الفتاة المبادرة إلى التوبة، فإن الزنا من الذنوب العظيمة التي رتب الله تعالى عليها عقوبة في الدنيا والآخرة؛ وراجع النصوص في ذلك في الفتوى رقم: 1602. والواجب أيضا الحذر من التساهل في التعامل مع المرأة الأجنبية كالخلوة بها مثلا؛ فإن ذلك ذريعة للفساد، وباب عظيم من أبواب الشيطان لإيقاع المسلم في الفاحشة، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 58914.

وإذا كانت هذه الفتاة قد تابت قبل زواجك منها، فليس من حق والديك منعك من الزواج منها لمجرد ما ذكر من الفوارق الطبقية، فمعيار قبول الفتاة دينها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه. ومع هذا كان الواجب عليك طاعتهما؛ لأن طاعة الوالدين واجبة، وزواجك من هذه الفتاة بعينها ليس واجبا عليك، إلا أن تكون قد خشيت على نفسك الفتنة بها؛ وراجع الفتوى رقم: 93194.

وكذلك الحال بالنسبة للطلاق، فليس من حق والديك أمرك بطلاق زوجتك إن كانت صالحة مستقيمة؛ وراجع الفتوى رقم: 70223. أما وقد طلقتها فقد وقع الطلاق. والضغط الأدبي من الأهل لا يمنع من وقوع الطلاق، إلا إذا وصل الأمر إلى حد الإكراه الملجئ كما بينا في الفتوى رقم: 107480.

وبما أن الطلاق قد تم بعد الدخول، فالواجب عليك أن تعطي زوجتك حقوقها كاملة؛ وراجع في حقوق المطلقة بعد الدخول الفتوى رقم: 8845.

وبالنسبة لإرجاعك لها، فحاول إقناع والديك بالموافقة على إرجاعك لها، فإن وافقا فذاك، وإلا فيلزمك طاعتهما، ما لم تكن نفسك تتوق إلى هذه المرأة ويتعلق قلبك بها، وتخشى أن تفتن بها، فيجوز لك حينئذ إرجاعها ولو لم يرض والداك. لكن مع ذلك فإن عدم إرجاعها أولى برا بوالديك، وتجنبا للمشاكل، ولعل الله يرزقك من هي خير منها.
وننبه في ختام هذا الجواب على الآتي:

أولا: أن من ابتلي بشيء من هذه الذنوب، عليه أن يتوب إلى الله، ويستر على نفسه، ولا يخبر بها أحدا أبدا؛ وانظر الفتوى رقم: 33442.

ثانيا: أن الإجهاض محرم، ويعظم الإثم إن كان بعد نفخ الروح فيه. وكون الجنين من الزنا لا يسوغ إجهاضه، فقد أحسنت بامتناعك عن طاعة أمك حين أمرتك بإجهاضه. وراجع الفتوى رقم: 2016. وأما الإجهاض بعد ثبوت موت الجنين في بطن أمه، بعد شهادة الأطباء الثقات، فلا حرج فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني