الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الرسوم المأخوذة على السحب النقدي ببطاقة الائتمان

السؤال

ما هو الحكم الشرعي في استخدام البطاقة الائتمانية (الفيزا) عن طريق السحب وليس الشراء؛ حيث يتم سحب 6% (6 في المائة) عن كل عملية سحب مثلا سحب 1000 ريال أو 1000 دينار يخصم منك ستة دنانير أي بالعملة الكويتية؟
أفيدونا جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا حكم التعامل بالبطاقات الائتمانية، وتحريم أخذ البنك نسبة على السحب في حال كون البطاقة غير مغطاة؛ فانظر ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 6309 ورقم: 111315. هذا هو المفتى به عندنا، وصدر به قرار من مجمع الفقه الإسلامي كما في الجواب المحال عليه، والجائز أن يأخذ البنك مبلغا مقطوعا بقدر التكلفة الفعلية فحسب.
وفي المسألة خلاف بين المعاصرين عرضه الدكتور صالح بن محمد الفوزان في بحثه: (البطاقات الائتمانية تعريفها، وأخذ الرسوم على إصدارها، والسحب النقدي بها) وانتهى فيه إلى ترجيح ما ذكرنا، وننقل كلامه للفائدة:
قال: قد اختلف الباحثون في حكم الرسوم المأخوذة على السحب النقدي ببطاقة الائتمان على أربعة أقوال:

القول الأول: أنه لا يجوز أخذ الرسوم مطلقاً، سواءً أكانت في مقابل نفقات فعلية أم لم تكن، وهذا رأي الدكتور محمد القري. ودليل هذا القول أن هذه الرسوم من الربا المحرم؛ لأنها من فوائد القروض.

ويمكن أن يناقش بما يلي:

1ـ لا يُسلم أن أي زيادة تعد من الربا؛ فقد سبق أن المنفعة المحرمة هي المنفعة الزائدة المشروطة للمقرض، وقد تكون الزيادة من تكلفة القرض، فلا يتكبدها المقرض، فالسحب يتطلب أجهزة لها كلفة من ثمن الجهاز وأجرة مكانه، كما يتطلب إجراء اتصالات، وتحمل إرسال معلومات، وتكاليف إبراق ونحو ذلك.

2ـ أن أكثر الفتاوى والقرارات أكدت على ألا تكون الرسوم على السحب مرتبطة بالدَّين قدراً أو أجلاً ، وهذا يدل على أن هذه الرسوم لا علاقة لها بالقرض.

القول الثاني: جواز أخذ الرسوم، سواءً أكانت نسبة مئوية من المبلغ المسحوب أم كانت مبلغاً مقطوعاً، وهذا ما صدر عن هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي، وفتوى ندوة البركة، وبعض الباحثين كالدكتور عبد الستار أبو غدة، والدكتور محمد مختار السلامي.

ومن أدلة هذا القول: أن رسوم السحب النقدي في مقابل خدمات يقدمها المصدر من توصيل المال إلى حامل البطاقة في أي مكان عبر فروعه، أو أجهزة الصرف، كما أنها في مقابل خدمات يقدمها المسحوب منه من إجراء اتصالات، وتكاليف إبراق، وأجهزه صرف ونحو ذلك.

وقد نوقش ذلك بما يلي:

أـ أنه لا يُسلم بأن هذه الرسوم في مقابل الخدمات التي يقدمها المصدر أو المسحوب منه، إذ لو كانت كذلك لما اختلفت باختلاف المبلغ (النسبة المئوية)، فتحصيل مئة ألف لا يختلف كثيراً من حيث التكاليف عن تحصيل ألف، فالواجب أن يكون الرسم مبلغاً مقطوعاً على مقدار التكلفة الفعلية خروجاً من التستر على الربا باسم الرسوم.

ب ـ أن حامل البطاقة قد يستخدمها في الحصول على بعض الخدمات كالاستعلام عن الرصيد ونحوه، مع أنها كالسحب النقدي تقريباً من حيث التكلفة إلا أن البنوك لا تحتسب فوائد كما في السحب النقدي، وهذا يدل على ارتباط هذه الرسوم بالقرض.

القول الثالث: أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً لا نسبةً مئويةً. وهذا ما صدر بالأغلبية عن الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية.

ودليل هذا القول كما جاء في القرار أن تغير الرسم بتغير المبلغ المسحوب فيه شبهة الربا (النسبة المئوية)، وهذا منتفٍ في حالة كون الرسم مبلغاً مقطوعاً في كل حالة من حالات السحب.

ويمكن أن يُناقش ذلك بأن هذا الرسم قد يكون أكثر من التكلفة الفعلية لعملية السحب النقدي، وما زاد عنها، فيه شبهة المنفعة المشروطة في القرض.

القول الرابع: أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً في مقابل النفقات الفعلية لعملية الإقراض، ولا يجوز الزيادة على التكلفة الفعلية، وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي، وبعض أعضاء المجمع كالدكتور نزيه حماد، والدكتور علي السالوس، واختاره بعض أعضاء الهيئة الشرعية لشركة الراجحي كالدكتور أحمد بن علي سير المباركي، والباحث عبد الرحمن الحجي.

ودليل هذا القول: أن السحب النقدي في حقيقته اقتراض من المسحوب منه، فما يأخذه المقرض من زيادة ربا محرم شرعاً، وهذا من ربا القروض، ويستثنى من ذلك التكلفة الفعلية للإقراض فهي غير داخلة في المنفعة المحرمة لما سبق، وهي من أجور خدمات القروض التي أجازها مجمع الفقه في دورته الثالثة بشرط أن تكون في حدود النفقات الفعلية، وما زاد فهو ذريعة لربا القروض وستار لإخفائه.

ثم قال: ويظهر لي ـ والله أعلم ـ رجحان القول الرابع؛ لما فيه من الاحتياط والحذر من أكل الربا باسم الرسوم، إذ لا يظهر مسوغ شرعي لأخذ ما زاد على النفقة الفعلية للإقراض، فعلى البنوك الإسلامية مراعاة ذلك، وحساب التكلفة الفعلية وعدم أخذ ما زاد عليها. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني