الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة المخالف في حرمة المعازف

السؤال

تقدمت لإحدى زميلاتي على الفيسبوك ناصحا لها بتجنب الموسيقى وما فيها من ضرر على الروح السوية للمسلم، لكنها كانت دائما تعرض عن ذلك مع مختلف الأساليب التي استعملت، وبالرغم من الحجج القرآنية أيضا فإنها تقول إنها لا تدل على الموسيقى كقوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين {سورة لقمان: 6} وكان هذا من بين ردها: الموسيقى حلال، ومن نعم رب العالمين علينا، وهذه الآية ليست دليلا على حرمة الموسيقى، وليست الموسيقى المقصودة من هذه الآية، وابن عباس ليس حجة على المسلمين، وخصوصا أن كثيرا من الصحابة والتابعين خالفوه، والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون استمعوا إلى الموسيقى، والحضارة الإسلامية مليئة بالموسيقى والمعازف، وهذا التشدد في غير مكانه، وشكرا لك وأرجو إعادة النظر في قناعتك، اطلع أكثر، عفوا يا أخي أنا لم أتحجج بأن المعازف مسموح بها لأنها مرافقة لذكر الله، أنا أقول إن المعازف حلال والموسيقى حلال بالمطلق وليس إذا استخدمت مع الذكر وما إلى هنالك، فالفن غاية في حد ذاته، والموسيقى كذلك، لا نحتاج إلى تحليل، لأن الأصل في الأشياء الحل، والمثل الذي ضربته غير منطقي ولا يقارن بموضوع الموسيقى، فالفطرة السليمة هي التي تحب استماع الفن والموسيقى وهذا دليل على إنسانية الإنسان، ومعاكستها هي مخالفة الفطرة ومخالفة الإنسانية، ولا تقارن الموسيقى بالقرآن، فالقرآن ليس للتفنن والتغني فالقرآن ليرشدنا ويوجهنا، والموسيقى للتغني غذاء للعاطفة والروح، وأنا أعرف آراء بعض المشايخ والعلماء المتشديدين الذين غالوا في كثير من الأمور وضيقوا الواسع على الأمة ـ هداهم الله وإيانا ـ ومرة أخرى أرجو منك أن تطلع أكثر وتقرأ أكثر، وشكرا لكم، فبم تنصحونها كي تقتنع، علما بأنها من أعضاء فرقة صبا الإنشادية وهي متعلقة بالموسيقى بشكل كبير جدا كما رأيتم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد يكون من المناسب أن يفتتح الكلام مع الأخت المخالفة في هذه المسألة بالاتفاق على مضمون نصيحتها: بإعادة النظر في قناعتك، وزيادة الاطلاع والقراءة!! فهذا مما يحتاج إليه كل طرف في الخلاف، وبعد ذلك يمكن أن يقدَّم مرجع متخصص في هذا الموضوع لبيان مواضع الاتفاق والاختلاف، وتحرير محل النزاع، والنظر في الرأي الصائب والقول الراجح، ونحن نختار لك من هذه المراجع كتاب: تحريم آلات الطرب للشيخ الألباني، أو كتاب الغناء والمعازف في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للدكتور سعيد بن علي القحطاني، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 139730 ذكر مرجع موسوعي مهم في مناقشة المخالفين في حرمة المعازف.

فيمكن الاتفاق على قراءة أحد هذه الكتب، ثم مناقشة الموضوع في ضوئها، ونسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وهنا نكتفي بالإشارة إلى بعض العبارات الواردة في السؤال على سبيل الإجمال، فقول هذه الأخت: خصوصا أن كثيرا من الصحابة والتابعين خالفوه ـ تعني ابن عباس رضي الله عنهما ـ فهذا لا يصح، فإن أكثر تفسير الصحابة لألفاظ القرآن يكون بالمثال، والخلاف في هذا من خلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 217462.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: في المراد بلهو الحديث أربعة أقوال:

أحدها: أنه الغناء، كان ابن مسعود يقول: هو الغناء والذي لا إِله إِلا هو، يُردِّدها ثلاث مرات، وبهذا قال ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل.

والثاني: أنه ما ألهى عن الله تعالى، قاله الحسن، وعنه مثل القول الأول.
والثالث: أنه الشِّرك، قاله الضحاك.

والرابع: الباطل، قاله عطاء. اهـ.

ولفظ الآية يتناول هذا كله بلا تضاد ـ كما هو واضح ـ وأما قولها: والرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعون رحمهم الله، استمعوا إلى الموسيقى، والحضارة الإسلامية ملآى بالموسيقى ـ فهذا مما يطول منه العجب فنقول بادئ ذي بدء: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين! ولن يأتوا في ذلك إلا بما هو واهي الإسناد، أو بما لا يصلح حجة كالآثار المقطوعة عن بعض التابعين، ثم إن كان هذا هو الواقع، فلم حكم أهل العلم بحرمة المعازف إذن؟! وأما قولها: الفطرة السليمة هي التي تحب استماع الفن والموسيقى ـ فهذا تحكُّم ليس له أصل من نقل ولا من عقل، فلا يعضده دليل من الشرع، ولا حجة من العقل، ولا سند من الواقع، ومثل ذلك لا يتأهل لمجرد مناقشته، وإلا فمن الممكن أن يقال: الصحيح هو عكس هذا الكلام طالما أنه يلقى على عواهنه دون البرهان، وأخيرا فإن وصف العلماء المانعين من المعازف بالمتشددين الذين غالوا في كثير من الأمور وضيقوا الواسع على الأمة!! من الجرأة المذمومة على أعراض الفضلاء، ومثل هذه المجازفة يرددها من لا يقيم كلامه على ميزان الشرع الحكيم، وإلا فمن اليسير أن يرمى المبيح للمعازف بالتهتك والتهاون والتساهل ونحو ذلك، مما لا يقرر حقا، ولا يدحض باطلا، فالحكم بالحل أو الحرمة لا يقوم على أذواق الناس وأهوائهم، وإنما يبنى على أدلة الشرع الحنيف، فما وافقها كان هو الحق، بغض النظر عن الذوق والهوى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني