الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الواجب والمستحب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السؤال

يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم ـ الآية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الأخذ بها في زمانهم فقط، ومن ثم وصف حال الزمان الذي يأخذ المسلمون حينها بالآية، وزماننا الآن مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل بهذا نتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وقد قرأت أنه عندما تكثر المنكرات يسقط الأمر والنهى ويتوقف فقط على القلب، فهل ذلك صحيح؟ وهل كثرة المنكرات تلك تطلق على الزمان بأسره؟ أم يقصد بها المكان الذي أجلس فيه إذا كثرت فجأة فيه المنكرات كان علي أعمل بهذه الآية ويبقى علي الإنكار بقلبي؟ وضحوا الواجب والمستحب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث الذي أشرت إليه في سؤالك هو ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: عليكم أنفسكم؟ قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك يعني بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله.

وهذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته، وعلى كل حال فالحديث يدل على استمرار وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يدرك الإنسان زمانا لا يجدي فيه ذلك، بل يعود عليه بالضرر، وهذا الزمان لم يأت بعد، فإننا لا نزال نرى فئاما من الناس تهتدي إلى الحق وتقبل على ربها جل وعلا، وما سمعنا أن أحدا دعا إلى الله فأعرض عنه الناس كلهم ولم يستجب له أحد، وعلى ذلك فالأصل هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لا يكمل اهتداء المهتدي إلا إذا أطاع الله وأدى ما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإذا قوى أهل الفجور حتى لا يبقي لهم إصغاء إلى البر، بل يؤذون الناهي، لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان في هذه الحال، وبقي بالقلب. اهـ

وانظر الفتوى رقم: 153685.

وأما كثرة المنكرات: فلا تسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي أدعى لوجوب ذلك، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل ـ كحالنا اليوم ـ تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته، وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك، ووجد فيها من تولى هذا الأمر، وقام به وبلغ أمر الله كفى، وصار التبليغ في حق غيره سنة، لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه. اهـ

وانظر الفتوى رقم: 200473، وما أحيل عليه فيها.

وأما إن جلست في مكان فكثرت فيه المنكرات فجأة وعجزت عن إزالتها، فإن عليك مغادرته، فإما أن تزيل المنكر وإما أن تزول عنه، وانظر الفتوى رقم: 24907.

ولمزيد الفائدة عن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر راجع الفتاوى التالية أرقامها: 180123، 128990، 192151.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني