الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العبادة في الإسلام غاية الغايات

السؤال

قرأت لأحد المغردين في تويتر: "أن العبادات في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها، فهي وسيلة، لا غاية، وقيمتها فيما تتركه على سلوك صاحبها من أثر" هذه هي التغريدة، نسختها لكي أوضح سؤالي، فهل ما ذكر في التغريدة صحيح - أي أن العبادات في الإسلام
وسيلة وليست غاية -؟ وشكرًا جزيلًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعبادة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها فحسب، بل هي الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، قال ابن القيم: وقد صرح تعالى بهذا في قوله: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فالعبادة: هي الغاية التي خلق لها الجن، والإنس، والخلائق كلها، قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي مهملًا، قال الشافعي: لا يؤمر ولا ينهى، وقال غيره: لا يثاب ولا يعاقب، والصحيح: الأمران.

فإن الثواب والعقاب مترتب على الأمر والنهي، والأمر والنهي هو طلب العبادة، وإرادتها، وحقيقة العبادة امتثالهما، وقال تعالى: {وَما خَلَقْنَا السَّمواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ} وقال: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} فأخبر أنه خلق السموات والأرض بالحق المتضمن: أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، فإذا كانت السموات والأرض وما بينهما خلقت لهذا، وهو غاية الخلق، فكيف يقال: إنه لا علة له، ولا حكمة مقصودة هي غايته؟ أو إن ذلك لمجرد استئجار العباد حتى لا ينكّد عليهم الثواب بالمنة، أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية، وارتياضها بمخالفة العوائد! فليتأمل اللبيب الفرقان بين هذه الأقوال، وبين ما دل عليه صريح الوحي يجد أن أصحاب هذه الأقوال ما قدروا الله حق قدره، ولا عرفوه حق معرفته ... اهـ.

فالعبادة غاية في نفسها، مطلوبة لذاتها.

وأما ما يترتب عليها من إصلاح النفس وتهذيبها فهو أثر من آثارها، لا غايتها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17543، فلا ريب في أن العبادة الصحيحة لها أثر في السلوك والأخلاق، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 76052.

هذا .. مع التنبيه على أن العبادة التي خلقنا الله لأجلها هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فهي ميدان واسع، وأفق رحب، تشمل الفرائض، والأركان، والنوافل، والمعاملات، والأخلاق، وتشمل كيان الإنسان كله، وجوارحه، وحواسه جميعها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 122837.

وبهذا يتبين الخطأ في الحكم بكون العبادة في الإسلام وسيلة لا غاية!

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني