الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ...)

السؤال

أريد تفسير قوله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب).

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الله يخبر في هذه الآيات أنه وهب نبيه داود -عليه السلام- ابنه سليمان نبياً، كما قال -عزَّ وجلَّ-: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16]. أي: في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره، وقوله: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صّ:30]. ثناء على سليمان بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله -عزَِّ وجلَّ-.

وقوله: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ [صّ:31]. أي: إذ عرض على سليمان -عليه السلام- في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات.

قال مجاهد: وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد السراع، وكذا قال غير واحد من السلف، وشغل بالنظر إليها وهي تعرض عليه حتى غربت الشمس، وضاعت عليه صلاة العصر، ولذا قال: فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْر [صّ:32]. أي المال: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أي الصلاة: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب. أي: غربت الشمس، ولما تبين له غروب الشمس وضاعت صلاة العصر بسبب نظره إلى هذه الخيل، أمر بإعادتها، فقال: رُدُّوهَا عَلَي [صّ:33]. فلما ردوها عليه: فَطَفِق. أي: جعل: مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [صّ:33]. أي يقطع سوقها وأعناقها، لأنها سبب ضياع صلاته، قال الشوكاني في فتح القدير: ثم أمرهم بردها عليه ليعاقب نفسه بإفساد ما ألهاه عن ذلك، وما صده عن عبادة ربه، وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه، ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردها عليه هو كشف الغبار عن سوقها وأعناقها بالمسح عليها بيده أو بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن إفساد المال لا يصدر عن النبي، فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرر في شرعنا، مع جواز أن يكون في شرع سيلمان أن مثل هذا مباح، على أن إفساد المال المنهي عنه في شرعنا هو مجرد إضاعته لغير غرض صحيح، وأما لغرض صحيح، فقد جاز مثله في شرعنا، كما وقع منه -صلى الله عليه وسلم- من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة، ولهذا نظائر في الشريعة، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني