الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود العورة التي يشرع سترها في الخلوة

السؤال

أود أن أسأل سؤالا عن هذه الجملة التي قالها رسولنا عن العورة: فالله أحق أن يستحيا منه، من الناس.
هل المقصود هنا العورة المغلظة أم المخففة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المشار إليه رواه أبو داود وغيره من حديث بهز بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ». قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم.

والمراد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ العورة في هذا الحديث، حفظ جميع ما يسمى عورة عن النظر أو الكشف إلا على زوجة أو ملك يمين.

قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: قَوْلُهُ: (عَوْرَاتُنَا إِلَخْ) أَيْ أَيُّ عَوْرَةٍ نَسْتُرُهَا وَأَيُّ عَوْرَةٍ نَتْرُكُ سِتْرَهَا. (احْفَظْ عَوْرَتَكَ) اسْتُرْهَا كُلَّهَا. انتهى.

فما كان عورة غليظة أو خفيفة فواجب ستره عن أعين الناس، وظاهره أن حال الخلوة كذلك على القول بوجوب ستر العورة فيها، فيجب ستر كل ما يسمى عورة، وهذا ظاهر إطلاق كثير من العلماء كما مر، ومنهم من خص العورة الواجب سترها في الخلوة بالسوأتين فقط أي بالعورة المغلظة.

قال في نهاية المحتاج: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْعَوْرَةُ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ مِنْ الرَّجُلِ، وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ. نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ.. انتهى.

فإذا علمت هذا، فاعلم أنه قد اختلف في وجوب الستر في الخلوة، بناء على الاختلاف في فهم قوله صلوات الله وسلامه عليه: فالله أحق أن يستحيا منه من الناس. هل هو للإرشاد والندب أو هو للوجوب؟

قال ابن رجب رحمه الله: وقد أجمع العلماء على وجوب ستر العورة بين الناس عن أبصار الناظرين، واختلفوا في وجوب سترها في الخلوة، على قولين، هما وجهان لأصحابنا وأصحاب الشافعي، ويجوز كشفها للحاجة إليه بقدرها بغير خلاف. انتهى.

وقال المناوي في فيض القدير: وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة، لكن المفتى به عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض كتبريد، وخوف غبار على نحو ثوب فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة لا وجوبه، وممن وافقهم ابن جرير فأول الخبر في الآثار على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة. انتهى.

والحاصل أن الحديث شامل لكل عورة، وأن كل عورة يجب سترها عن أعين الناظرين سوى ما استثني، وفي سترها في الخلوة الخلاف المتقدم ولا يخفى الورع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني