الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجهل بتحريم سب الله تعالى...رؤية شرعية

السؤال

هل ساب الله يعذر بالجهل, مع العلم أننا في بلد مسلم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن السب هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، ولم يختلف أحد من أهل العلم في أن من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً أو مستهزئاً، قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول 3 / 1017: فصل فيمن سب الله تعالى.. فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا سبة له، إلى أن قال: فإن الناس مجمعون على أن من سب الله تعالى من المسلمين يقتل، وإنما اختلفوا في توبته.
وقال ابن قدامة في المغني 12/ 298: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أ وجاداً وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].
وروى ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال: من سب الله تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب.
والذي عليه الشافعية والحنيفة أن سب الله ردة فإذا تاب الساب قبلت توبته، فهذا ما عليه أهل العلم.
ولا نعلم أحداً قال بأن الذي يسب الله تعالى معذور بجهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن سب الله ليس له داع عقلي في الغالب، وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب. انتهى
فإن الكافر يتدين بكفره ويقول إنه حق ويدعو إليه، وليس من الكفار من يتدين بما يعتقده استخفافاً واستهزاءً وسباً، وإن كان في الحقيقة سباً -وأما السب- فإنه مظهر للتنقص والاستخفاف والاستهانة بالله منتهك لحرمته انتهاكاً يعلم من نفسه أنه منتهك مستخف مستهزئ، ويعلم من نفسه أنه قد قال عظيماً، وأن السموات والأرض تكاد تنفطر من مقالته وتخر الجبال، وأن ذلك أعظم من كل كفر وهو يعلم أن ذلك كذلك.
قال ابن تيمية أيضاً: ولو قال بلسانه: إني كنت لا أعتقد وجود الصانع ولا عظمته والآن فقد رجعت عن ذلك" علمنا أنه كاذب، فإن فطر الخلائق كلها مجبولة على الاعتراف بوجود الصانع وتعظيمه، فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك؛ بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين، تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب، أو من سفيه لا وقار لله عنده. انتهى
والحاصل أنه لا يتصور الجهل بتحريم سب الله تعالى، لكن قد يستعمل الإنسان لفظاً يجهل أنه موضوع للسب والتنقص، فبعض الألفاظ تكون سباً في بلد، وقد لا تكون كذلك في بلد آخر حسب عرف أهلها، فمثل هذه الألفاظ لو قالها من قالها ثم اعتذر عن مقولته فإنه يقبل عذره في الظاهر وأمره إلى الله تعالى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني