الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آفات تلبس المرء بالحرام في تجارته ومطعمه

السؤال

سؤال: مشروع نصفه حلال، ونصفه حرام، وأنا متزوج وعندي ابن، وأدفع إيجار شقة، وأصلي، وأحاول التقرب إلى الله.
فهل تقبل صلاتي، مع العلم أن بداية مشروعي كانت نصف فلوسه حلال، والنصف الثاني حرام، وقد مرت سنون وأنا على هذا الوضع؟
أرجو الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يؤتيك من لدنه رحمة، ويهيئ لك من أمرك رشدا.

وأما ما سألت عنه، فجوابه أن المسلم عليه اجتناب الحرام، والحذر منه، فسيسأل المرء عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وقد حض الشرع على التورع في الأموال، وذمَّ عدم التحري فيها فقال صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أَمِنْ الحلال أم من الحرام. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

كما رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام، فقال: لا يدخل الجنة جسد غُذِّي بحرام. رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي، وصححه الألباني.

ثم إن مما يمنع إجابة الدعاء تلبس المرء بالحرام في مطعمه وملبسه وغير ذلك؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟.

وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.

قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود. وصححه الألباني أيضا.

وعليه؛ فما دامت عاقبة الحرام وخيمة، وكسبه لا يزيد في الرزق، وتركه لا ينقص منه، وكل سيستوفي رزقه وأجله، فعلى المسلم اجتنابه، والحذر منه كل الحذر؛ لئلا يفسد عليه دنياه وآخرته، وقد بينا كيفية التوبة منه في الفتويين: 79984/ 123782

وأما مسألة الحرام والمتاجرة فيه، فلا يؤثر على صحة الصلاة، لكن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فينبغي له مراجعتها؛ فقد قال العلماء: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإن في صلاته خللا؛ لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45} فمن أدى الصلاة كما أمر وذكر الله عز وجل، فحري به أن لا يقدم على منكر، ولا يعرض عن معروف.

فبادر إلى التوبة من الحرام، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه؛ فقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني