الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية إخراج زكاة الراتب والمال المستفاد

السؤال

أنا موظف في شركة، أعمل في المبيعات، وراتبي الشهري الأساسي هو 5000 يوان صيني – اليوان: اسم العملة الصينية - وعمولة المبيعات تكون حسب حجم البيع، فأحيانًا تكثر، وأحيانًا تقل، فيصير الدخل الشهري متغيرًا دائمًا، ثم إن مصاريف العائلة كلها تؤخذ من جملة هذا الدخل لا غير، وتتراوح هذه المصاريف بين 3000 يوان و3500 يوان شهريًا، وإذا كان هناك حاجة كبيرة - كشراء أثاث مثلًا - فقد أصرف دخلي كاملًا في ذلك الشهر،إضافة إلى سحب جزء من ما ادخرت في الشهور التي مضت، ثم إني أفضل أن يكون موعد إخراج الزكاة هو يوم عيد الفطر سنويًا من باب التيسير في الحساب، ففي يوم العيد لأول السنة كان جملة ادخاري 15000 يوان، وكان سعر الذهب في يوم العيد هو 200 يوان/جرام، فيصير نصاب الزكاة 17000 يوان، فلم أخرج زكاتي في تلك السنة؛ لأن الملك أقل من النصاب، ثم جاء يوم العيد للسنة الثانية، فأصبح المال المدخر 30000 يوان، ومنها: 15000 يوان من السنة الماضية، لكن سعر الذهب في يوم العيد للسنة الثانية كان 300 يوان/جرام؛ لأن سعر الذهب الدولي في ذلك العام ارتفع لسبب من الأسباب، فيصير نصاب الزكاة 25500 يوان، فالملك أكثر من النصاب، وسؤالي كالتالي:
1. هل عليّ زكاة في السنة الثانية؟
2. وإذا كانت الزكاة واجبة في السنة الثانية، فهل أخرجها عن 15000 يوان التي من السنة الأولى فقط، أم عن 30000 يوان؟ وعلى أي نصاب - نصاب 17000 يوان أم 25500 يوان -؟
3. لنفترض أن ادخاري في السنة الثالثة مثل السنة الثانية – أي: 30000 يوان- لكن النصاب صار 31000 يوان، بمعنى أن النصاب أكثر من السنة التي قبلها، لكن المال حال عليه الحول، فهل عليّ زكاة في هذه الحالة؟ وكيف أخرجها؟ أأحسبها على نصاب السنة الثانية - 25500 يوان - أم على النصاب الحالي - 31000 يوان -؟
4. لنفترض أن ادخاري نقص في السنة الرابعة من 30000 يوان إلى 28000 يوان، ونصاب الزكاة في تلك السنة هو 25000 يوان، فهل أخرجها عن 28000 يوان أم 30000 يوان؟ وهل أخرجها على نصاب السنة الثالثة – أي: 31000 يوان - أم على النصاب الحالي – أي: 25000 يوان -؟
5. عند دفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى :"إنما الصدقات للفقراء..." الخ، هل أدفع كل زكاتي في يوم العيد، أم يجوز لي تأخيرها إلى أن أجد الأصناف الثمانية في الأيام القادمة؟ علمًا أنه قد يصعب عليّ أن أجد الأصناف الثمانية في يوم واحد، وأحب أن أدفعها إلى أشخاص متعددة.
6. عندي فكرة جديدة في طريقة إخراج الزكاة، وهي أن أخرج 2.5% عند استلام الراتب شهريًا، وإما أن أدفعها إلى المستحقين في ذلك الشهر حالًا، وإما أن أضعها في حساب خاص، وعند وجود المستحقين أدفع شيئًا أو الحساب كاملًا، والغرض أن لا أنظر هل بلغ مالي النصاب أم لا، ولا أنظر هل حال عليه الحول أم لا، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ وهل تجزئ عن الزكاة؟
7. ثم إني قد اطلعت على الفتوى رقم: "128619" من موقعكم - إسلام ويب - وفيها كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في كيفية زكاة الراتب، وفيها قوله: " ودرءًا لهذه المشقة يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال، مثلًا إذا كان يتم الحول في شهر محرم، إذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يحصي كل الذي عنده، ويخرج زكاته، وتكون الزكاة واقعة موقعها عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز" وسؤالي هو: ما معنى قوله: "وتكون الزكاة واقعة موقعها عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز"؟ أفيدونا - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في الفتوى رقم: 54006 أن جمهور العلماء يمنعون من أخذ دراهم معلومة، ونسبة من الربح على نفس العمل، إلا رواية عن أحمد، والأحوط تعديل عقد الإجارة إلى أجرة فقط، أو تحويله إلى عقد مضاربة بنسبة من الربح.

وأما جعل موعد إخراج الزكاة يوم عيد الفطر سنويًا من باب التيسير في الحساب: فالأصل أنك تبدأ احتساب الحول من يوم ملكت النصاب، فتزكي عند نهايته؛ فإن كان هو أول موعد امتلكت فيه النصاب، وحال الحول فتصرفك صحيح، وكذا إن امتلكت النصاب قبل ذلك الحين، ولم يحل الحول بعد، جاز، وكانت زكاة معجلة، ولبيان حكم تعجيل الزكاة انظر الفتوى رقم: 121737.

وأما إذا تم الحول قبل عيد الفطر: فليس لك تأخير الزكاة عن ذلك.

وأما بخصوص حسابك الزكاة بنصاب الذهب: فقد بينا في الفتوى رقم: 68905، وتوابعها، أن نصاب الأوراق النقدية هو أقل النصابين من ذهب أو فضة.

وعليه، فإن كان مالك هذه الفترة يبلغ النصاب على قيمة الفضة، فعليك احتساب زكاة السنوات السابقة، وطريقة ذلك مبينة في الفتوى رقم: 93502.

وأما السنة الثانية: فيلزمك الزكاة عن النصاب، فما زاد (فيما حال عليه الحول) - وقد سبق أن العبرة بأقل النصابين من ذهب أو فضة - وعليه فاحتسب بذلك، فإذا تجاوز مالك المدخر النصاب أخرجت عنه كله، لا على قدر النصاب، (والعبرة أن يكون في أول الحول نصابًا، ولا ينقص عن النصاب أثناء الحول، مهما تغير النصاب (بمعنى مهما تغير سعر الفضة، أو الذهب، المهم ألا ينقص عن أقلهما أثناء الحول)، فتخرج ربع العشر.

وبه يُعرف جواب سؤالك الثالث، والرابع، وهو أنه إذا قل المال عن النصاب أثناء الحول سقطت الزكاة، فإذا بلغ مالك نصابًا احتسبت حولًا جديدًا، ولكن كما سبق لو بلغ بنصاب الفضة نصابًا، وجبت فيه الزكاة، وراجع الفتوى رقم: 228670، هذا إذا كان المال الجديد هو نماء الأول.

وأما إذا كان مستفادًا، كالراتب المدخر، ونحوه - وهو ظاهر السؤال -: فإن كان مالك لم يبلغ نصابًا، فلا تحتسب بشيء حتى يبلغ الجميع نصابًا، وهو اول الحول، وإن كان قد بلغ النصاب قبل المستفاد, فقد بينا في الفتوى رقم: 176957 أن من استفاد مالًا جديدًا من جنس مال عنده، بالغًا النصاب، فإنه يضم المال الجديد إلى المال الأول في النصاب، لا في الحول، فيزكي المال الأول الذي يبلغ النصاب عند حوله، ويزكي المال الثاني عند حوله، ولو لم يبلغ النصاب، هذا الذي يلزمك؛ فإن أردت أن تُعجل زكاة الجميع معًا، جاز لك ذلك كما سبق.

وأما جواب سؤالك الخامس، فهو: أنه لا يجوز تأخير الزكاة، إلا إذا لم تجد مستحقها، ووجود صنف واحد من الأصناف الثمانية كاف؛ لأنه لا يلزم استيعاب المصارف الثمانية، وانظر الفتويين: 159961، 38964.

وإذا أحببت أن تدفع للمصارف الثمانية، وتحتاج لوقت: فعليك أن تعجل الزكاة قبل وقتها، بحيث تأخذ فرصة لاستيعاب المصارف قبل انقضاء الحول.

وأما قولك: "عندي فكرة جديدة في طريقة إخراج الزكاة، أي: أني أخرج 2.5% عند استلام الراتب شهريًا، إما أن أدفعها إلى المستحقين في ذلك الشهر حالًا، وإما أن أضعها في حساب خاص، وعند وجود المستحقين أدفع شيئًا، أو الحساب كاملًا، والغرض أن لا أنظر هل بلغ مالي النصاب أم لا، ولا أنظر هل حال عليه الحول أم لا، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ وهل تجزئ عن الزكاة؟": فلا يلزمك أن تزكي الراتب إلا ما فضل عن حاجتك، وبلغ مع سائر مالك نصابًا، وفي هذه الحال ينضم في النصاب دون الحول؛ فتكمل به النصاب إن لم تكن بلغته، وأما حوله فمن يوم قبضته تحتسب سنة، فإن أردت أن تعجله من يوم قبضه، أو جعلته في حساب خاص، تتصدق منه، فلا حرج عليك، وراجع الفتوى رقم: 134239.

فإن لم يبلغ مع سائر مالك نصابًا: فلا شيء عليك، فإن أردت الصدقة فبابها واسع.

وأما فتوى العلامة العثيمين - رحمه الله -: وتكون الزكاة واقعة موقعها عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز. اهـ فمعناها أن الحول إنما حال على ما ادخره من شهر محرم فقط، فإذا زكى عن مدخرات جميع السنة، فقد عجل الزكاة عن بقية الشهور التي لم يدر عليها الحول.

ولو عملت بالفتوى رقم: 128619 لكفتك - إن شاء الله -، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 171885.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني