الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصغيرة التي لا يوطأ مثلها.. المعنى.. والعقوبة

السؤال

ما معنى أن الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لا حد على واطئها؟ ولماذا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها أي ليست محلاً لإمكان الاستمتاع، ومن الفقهاء من يحدها بالسن، قال العثيمين ـ رحمه الله: قوله: الصغيرة ـ وهي التي دون التسع، يعني التي لا يوطأ مثلها، وليس المراد بالصغيرة من دون البلوغ، لأن من دون البلوغ قد توطأ ويتصور منها الزنا، فالمراد بالصغيرة هنا من دون التسع، كما ذكره في الإقناع وغيره. انتهى.

وعلة ذلك عند من منع الحد في ذلك، أنها ليست محلاً للاستمتاع، وقد اختلف العلماء في الحد على من زنا بها، جاء في الإنصاف ممزوجاً بالمقنع: قَوْلُهُ أَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ ـ إنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهَا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا نِزَاعٍ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّهُ يُحَدُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا، كَذَلِكَ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا: فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى وَطِئَ مَنْ أَمْكَنَ وَطْؤُهَا، أَوْ أَمْكَنَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ يُمْكِنُهُ الْوَطْءَ، فَوَطِئَهَا: أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِتِسْعٍ وَلَا بِعَشْرٍ، لِأَنَّ التَّحْدِيدَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، وَكَوْنُ التِّسْعِ وَقْتًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ غَالِبًا: لَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ قَبْلَهُ، كَمَا إنَّ الْبُلُوغَ يُوجَدُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا غَالِبًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَهُ. انْتَهَى.

وليس معنى عدم الحد عدم العقوبة، بل يُعاقب عقوبة تعزيرية، جاء في المبسوط للسرخسي: وَإِنْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ وُجُوبَ حَدِّ الزِّنَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْفِعْلِ، وَكَمَالُ الْفِعْلِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ كَمَالِ الْمَحَلِّ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِهَذَا الْفِعْلِ حِينَ أَفْضَاهَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا وَلَمْ يُفْضِهَا، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ حِين احْتَمَلَتْ الْجِمَاعَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الزَّجْرُ فِيمَا يَمِيلُ الطَّبْعُ إلَيْهِ، وَطَبْعُ الْعُقَلَاءِ لَا يَمِيلُ إلَى وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَلَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، فَلِهَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ ـ أي بعد إفضائها ـ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْمَهْرُ، أَمَّا ثُلُثُ الدِّيَةِ لِجُرْحِ الْجَائِفَةِ، وَالْمَهْرُ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ، وَقَدْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ لِشُبْهَةِ النُّقْصَانِ فِي الْفِعْلِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ إلَّا إيلَاجُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ.... إلى آخر تفاصيل الحكم، وموضع الشاهد علة ذلك: لِأَنَّ الْحَدَّ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الزَّجْرُ فِيمَا يَمِيلُ الطَّبْعُ إلَيْهِ، وَطَبْعُ الْعُقَلَاءِ لَا يَمِيلُ إلَى وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وكذلك التنصيص على التعزير: وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني