الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السلام على العصاة وملاطفتهم

السؤال

ماذا أفعل إذا رأيت إنسانا مسلما يفعل معصية ويجهر بها؟ وهل يحل أن أسلم عليه أو ألاطفه في الكلام أثناء فعله لها؟ وإن كان غير مسلم فهل يختلف الأمر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب مناصحة المسلم العاصي والإنكار عليه حسب الاستطاعة، فإن لم توجد الاستطاعة فلا بد من الإنكار بالقلب، وعدم الجلوس معه حال فعله للمعصية، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140}.

قال الطبري رحمه الله: وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسَقة، عند خوضهم في باطلهم. انتهى.

وأما السلام عليه وملاطفته في الكلام أثناء فعله للمعصية: فمرد ذلك إلى المصلحة والمفسدة، فإن كان في السلام عليه وملاطفته مدعاة لقبول النصيحة والانتهاء عما هو فيه من المعصية، فلا شك أن الأفضل السلام عليه وملاطفته، وأما إن لم يكن في السلام عليه وملاطفته حال معصيته أي مصلحة، فالأولى ترك ذلك، لما فيه من الإنكار عليه، ما لم يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، جاء في عون المعبود عن ابن رسلان قوله: يستحب ترك السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة تحقيرا لهم وزجرا، ولذلك قال كعب بن مالك، فسلمت عليه فوالله ما رد السلام علي. انتهى.

وهذا الباب راجع إلى مسألة هجر أهل المعاصي والبدع، وهو باب مرده إلى المصالح والمفاسد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. انتهى.

ولا يختلف الكافر عن المسلم في الإنكار عليه ما يجهر به من المعاصي حسب الاستطاعة، وكذلك ترك ملاطفته، مع تقييد ذلك برجحان المصلحة أو المفسدة فيما يفعل منه أو يترك.
وأما السلام على الكافر: فمن العلماء من يرى عدم جوازه، ومنهم من يرى جواز ذلك، ومنهم من فصل فأجاز ذلك للمصلحة المعتبرة، ومنع منه لغير مصلحة، ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 37526، وما أحيل فيها عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني