الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وضوء وصلاة من يكثر خروج المذي منه

السؤال

أجد المذي كثيرا جدا، حتى لو جلست في المسجد بين صلاتين أجده قبل الأخيرة. وإذا تأكدت منه بعد الصلاة، تارة أجده، وتارة لا أجده.
هل آخذ حكم صاحب السلس، وأتوضأ في الوقت، وأذهب إلى المسجد أم أتوضأ، وأصلي مباشرة في البيت، بحكم أنه قد ينقطع بعض الوقت. تارة أجده وتارة لا أجده بعد الصلاة. وماذا عن صلاة الجمعة؟
وأشد من ذلك ألما أني أتردد كثيرا على الحرم، حيث الزحام قد يوجب الاستنجاء، والوضوء قبل وقت كاف.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك.

ونفيدك بأن صاحب السلس هو الذي يخرج منه المذي بصفة دائمة، بحيث لا يجد وقتا لانقطاعه، يتمكن فيه من فعل الصلاة بطهارة صحيحة.

قال ابن قدامة في المغني عن انقطاع دم المستحاضة ونحوها بعد الوضوء: وَإِنْ عَادَ الدَّمُ: فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ, قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَيُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ، يَقُولُونَ: إذَا تَوَضَّأَتْ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الدَّمُ، ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، تُعِيدُ الْوُضُوءَ, وَيَقُولُونَ: إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ، قَوْلًا آخَرَ, قَال: لَسْت أَنْظُرُ فِي انْقِطَاعِهِ حِينَ تَوَضَّأَتْ سَالَ أَمْ لَمْ يَسِلْ، إنَّمَا آمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْخَبَر؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا يَشُقُّ، وَالْعَادَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَنَّ الْخَارِجَ يَجْرِي وَيَنْقَطِعُ، وَاعْتِبَارُ مِقْدَارِ الِانْقِطَاعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِيهِ يَشُقُّ، وَإِيجَابُ الْوُضُوءِ بِهِ حَرَجٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْهُ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ. اهــ.

وانظر الفتويين: 140617، 144911 وما أحيل عليه فيهما.

والظاهر من سؤالك أن خروج المذي ليس مستمرا، بل يخرج أحيانا وينقطع أحيانا أخرى، وعليه فلا تأخذ أحكام صاحب السلس، فإذا توضأت قبل دخول وقت الصلاة أو بعده، ثم خرج المذي، وجب عليك إعادة الوضوء والاستنجاء، فتتوضأ وتصلي بعد انقطاع خروجه، ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة.
وإذا استمر خروجه نصف زمن أوقات الصلاة فأكثر (وأوقات الصلاة من الزوال إلى طلوع شمس اليوم الثاني)، فإنك تأخذ حكم صاحب السلس عند المالكية، وهم لا يرون وجوب الوضوء عليه لكل صلاة، وإنما ذلك مستحب عندهم، هذا إذا لم يقدر على رفعه. ولمزيد الفائدة عن مذهب المالكية في ذلك راجع فتوانا رقم: 75637.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني