الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم شراء اللبن من بنوك الحليب بما يعادل أربع رضعات تجنبا لاختلاط الأنساب

السؤال

إن الرضاعة لا تحرم دون خمس، فهل يجوز شراء اللبن من بنوك الحليب إذا كان الحليب بمنزلة أربع رضعات فأقل كي لا يحدث اختلاط النسب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالتعامل مع بنوك الحليب بيعا وشراء من المسائل المستحدثة والنوازل المعاصرة التي تباينت فيها آراء الفقهاء، وتعددت فيها أقوال العلماء، وقد نقلنا قرار المجمع الفقهي الإسلامي بحرمة الرضاع من لبن بنوك الحليب، كما في الفتوى رقم: 17699.

والمخرج الذي التمسه السائل بتقليل الرضعات إلى أربع لدفع محذور اختلاط الأنساب لا أثر له عند الحنفية والمالكية، فإن الرضاع المحرم عندهم لا يشترط فيه التخميس، كما لا يؤثر عند القائلين بالتثليث من الفقهاء كأبي عبيد، وابن المنذر وداود، وأحمد في رواية عنه، ولما كان الراجح عندنا مذهب الشافعية والحنابلة وإسحاق وهو القول بالتخميس فالاقتصار على أربع رضعات يعتبر مخرجا صحيحا نظريا، ولكنه عسير التطبيق عمليا كما سنوضحه، وانظر الخلاف والأدلة والترجيح في اعتبار العدد في الرضاع المحرم في الفتاوى التالية أرقامها: 52835، 9054، 126784.

أما وجه كون اللجوء إلى فكرة الأربع رضعات ليس حلاّ عمليا للخروج من محذور اختلاط الأنساب، فلأن الأمر لا ينضبط لك فمسألة فالرضعات الخمس المحرمة غير مرتبطة بكمية الحليب، وإنما بالمسمى العرفي للرضعة عند شرب الرضيع للحليب فكمية الحليب التي يمتصها رضيع في رضعة واحدة قد تفي بخمس رضعات متفرقات لرضيع آخر، أو لنفس الرضيع في وقت آخر، أو لنفس الرضيع من حليب آخر، لأنه لا ملازمة بين الرضعات الخمس العرفية وبين الكمية لا الكمية المشتراة ولا الكمية المرتضعة، فمن ثم يشق تحاشي محذور اختلاط الأنساب من هذا المخرج مضافا إلى أن الكمية لو فرض وكانت كلها من امرأة واحدة إلا أنها غالبا لا تكون خالصة، بل يضاف إليها شيء من المواد الحافظة أو المحسنة مما يزيد الضبط عسرا، قال الرحيباني في المطالب: تنبيه: والمحرم من السعوط ونحوه خمس، والوجور ـ السعوط حقن الحليب عن طريق الأنف، والوجور عن طريق الفم ـ لأنه فرع عن الرضاع فيأخذ حكمه... ولو حُلب في إناء لبن دفعة واحدة أو دفعات ثم سقي الطفل في خمس أوقات فهي خمس رضعات، اعتبارا بشرب الطفل له، وإن حلب في إناء خمس حلبات في خمس أوقات، ثم سقي الطفل دفعة واحدة كان رضعة واحدة اعتبارا بشربه له. اهـ

وقال في المغني: وإنما يحرم من ذلك مثل الذي يحرم بالرضاع، وهو خمس في الرواية المشهورة... ولو حلبت في إناء دفعة واحدة ثم سقته غلاما في خمسة أوقات، فهو خمس رضعات.

وللمزيد في تقرر اعتبار العرف في الرضعة المحرمة انظر الفتويين رقم: 126784، ورقم: 65227.

فإذا تمكنت عمليا من علاج هذا المحذور درءا لاختلاط الأنساب، فإنه يبقى عليك مراعاة بقية المحاذير الصحية والشرعية التي ذكرها المجمع الفقهي في قراره المنقول في الفتوى المشار إليها أعلاه، فإذا استوفيت ذلك كله جاز لك شراء الحليب من بنوك الحليب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني