الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: لقد كان فيمن قبلكم من الأمم ناس محدثون

السؤال

في موضوع المُحَدَّثين في أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, جاء في زيادة حديث البخاري: رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء.
كيف يُكلَّم هؤلاء المحدثون من دون أن يكونوا أنبياء؟ هل يأتيهم جبريل بالوحي باعتبار أنه الملك المكلف بالوحي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنص الحديث كما في البخاري: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر. زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل، رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر.

فالمعنى أنهم يُلهمون، وقيل إن الملائكة تكلمهم، ولم يخصه العلماء بجبريل.

قال القسطلاني: (رجال يكلَّمون) بفتح اللام المشددة، تكلمهم الملائكة من غير أن يكونوا أنبياء، أو المعنى يكلمون في أنفسهم وإن لم يروا متكلما في الحقيقة، وحينئذٍ فيرجع إلى الإلهام. انتهى.

وقال ابن حجر: قوله: ( محدثون ) بفتح الدال جمع محدث، واختلف في تأويله فقيل: ملهم، قاله الأكثر. قالوا: المحدث بالفتح، هو الرجل الصادق الظن، وهو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره به، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري. وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل مكلَّم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة، وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه: " قيل يا رسول الله وكيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه" رُوِّيناه في " فوائد الجوهري "

قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو سعد خادم الحسن البصري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. اهـ.

وحكاه القابسي وآخرون، ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة، ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلما في الحقيقة، فيرجع إلى الإلهام، وفسره ابن التين بالتفرس، ووقع في مسند " الحميدي " عقب حديث عائشة " المحدث الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه " وعند مسلم من رواية ابن وهب " ملهمون، وهي الإصابة بغير نبوة " وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب ابن عيينة " محدثون يعني مفهمون " وفي رواية الإسماعيلي: " قال إبراهيم - يعني ابن سعد روايه: قوله محدث: أي يلقى في روعه " انتهى، ويؤيده حديث " إن الله جعل الحق على لسان عمر، وقلبه " أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر...". انتهى.

وقال القاري في المرقاة: وَمَعْنَى مُحَدَّثُونَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مُلْهَمُونَ الصَّوَابَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنْ تُحَدِّثَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا بِوَحْيٍ، بَلْ بِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ حَدِيثٍ، وَتِلْكَ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ. انتهى.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 72203.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني