الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عين الشفقة تربية الأولاد على أداء الفرائض وتخليقهم بالخلق الحسن

السؤال

أنا أم لطفلين أحدهما في 13 والثاني في 11، وآمرهم بالصلاة وخصوصا الكبير، لأنه اقترب من التكليف، لكن ظروف الدراسة لا تساعده كثيرا، فهما يبدآن من الثامنة ولا يأتيان إلى المنزل إلا عند الخامسة مساء ـ توقيت مستمر ـ ويتناولان غداءهما في المدرسة ويأتيان منهكين وفي كثير من الأحيان أشفق عليهما وأتغاضى عن صلاتهما، لأنهما غير مكلفين بعد، فهل يحاسبني الله على ذلك خصوصا أنني لم أعمل بقول النبي عليه الصلاة والسلام بخصوص صلاة الأطفال؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فيجب عليك ـ أختي السائلة ـ أن تأمري أولادك بالصلاة حتى يألفوها ويتعودوا عليها ما داموا قد بلغوا سن التعليم امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ. رواه أبو داود.

ولعله من المناسب أن ننقل إليك كلاما مفيدا حول تربيتهم على الفرائض وتقديم هذا على العاطفة، ولكي تعلمي عظم المسؤولية الملقاة عليك نحوهم, جاء في الموسوعة الفقهية: عَلَى الآبَاءِ وَالأْمَّهَاتِ وَسَائِرِ الأْوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ مَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُعَلَّمُ الصَّغِيرُ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ مِنْ إِيمَانٍ بِاَللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ عِبَادَتُهُ وَيُعَرِّفُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصَلاَتِهِ وَصِيَامِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ـ وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا، كَمَا يُعَلَّمُ أَنَّهُ بِالْبُلُوغِ يَدْخُل فِي التَّكْلِيفِ، وَيُعَرَّفُ مَا يَبْلُغُ بِهِ، وَقِيل هَذَا التَّعْلِيمُ مُسْتَحَبٌّ، وَنَقَل الرَّافِعِيُّ عَنِ الأْئِمَّةِ وُجُوبَهُ عَلَى الآْبَاءِ وَالأْمَّهَاتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ, وَدَلِيل وُجُوبِ تَعْلِيمِ الصَّغِيرِ: قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ـ قَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ: مَعْنَاهُ عَلِّمُوهُمْ مَا يَنْجُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ـ قَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ الصَّبِيَّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُل نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُل نَقْشٍ، وَقَابِلٌ لِكُل مَا يُمَال بِهِ إِلَيْهِ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُل مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِل شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ بِهِ وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ، وَمَهْمَا كَانَ الأْبُ يَصُونُ وَلَدَهُ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَهُ مِنْ نَارِ الآْخِرَةِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيَهْدِيَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الأْخْلاَقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَلاَ يُعَوِّدَهُ التَّنَعُّمَ، وَلاَ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ فَيُضَيِّعُ عُمْرَهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ وَيَهْلَكُ هَلاَكَ الأْبَدِ... اهـ.

إذا تبين لك هذا، فيجب عليك ـ أيتها السائلة ـ أن تأمري أولادك بأداء الصلاة عند العودة إلى البيت وربما تأثمين إن تركت ذلك, بل يجب عليك أن تأمريهم بالمحافظة عليها في وقتها أيضا، فإن كانت صلاتهم في البيت يخرج بها وقت صلاة الظهر -مثلا- فعليك أن تأمريهم بأدائها في المدرسة إن أمكن, والمهم أن تجتهدي في تعليمهم فرائض الدين ولا تدعي شفقتك عليهم تحول بينك وبين ذلك, وليكن تعليمهم الصلاة وفرائض الدين في قائمة الأولويات قبل كل شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني