الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما حكم الخصام (التهاجر) إذا كان الأصلح للطرفين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنك لم توضحي في سؤالك ماذا تقصدين بالخصام، وسنجيبك حسب المعنى السائد لدى كثير من الناس، وهو أنهم يقصدون بذلك الهجر.

فنقول: إن كنت تقصدين بخصومتهم هجرهم، فالأصل أنه لا يجوز ذلك فوق ثلاثة أيام، إلا للخوف من ضرر ديني، أو دنيوي لا يمكن تفاديه. فقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة بتحريم الهجر، والتقاطع بين عموم المسلمين، وما كان من ذلك بين ذوي الأرحام فهو أشد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.

وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.
ولا شك أنّ الأفضل في معاملتنا للمسلمين هو مقابلة السيئة بالحسنة، وإفشاء السلام مع التبسم ولو تكلفا؛ فهذا هو أعظم ما يوجد المودة، ويقي شر نزغات الشيطان؛ قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ { فصلت: 34}.

وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إفشاء السلام، والمصافحة، والتهادي من أهم الأسباب التي يحصل بها التحابب، وانتهاء البغض، والغل بين الناس، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. وفي الحديث: تهادوا تحابوا، وتصافحوا يذهب الغل. رواه مالك وحسنه ابن عبد البر.

قال النووي رحمه الله: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أدل أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إنشائه تكمن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل. انتهى.

وأما إن كان الهجران أصلح من الناحية الدينية، كأن يخاف الضرر الديني، أو الدنيوي من الخلطة، أو أن ترجى استفادة المهجور العاصي بسب الهجر، فإنه يشرع الهجر بقدر المصلحة.

قال ابن عبد البر في التمهيد: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يخاف من مكالمته، وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه. فإن كان كذلك، رخص له في مجانبته، وربِّ صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هجر المسلم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم. ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً، أو ابن أخ، أو عمّاً، أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً. اللهم إلا إذا كان على معصية، وكان في هجره مصلحة، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به؛ لأن هذا من باب إزالة المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم، حتى يوجد ما يقتضي الإباحة. انتهـى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني