الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في مجال تعليم الموسيقى...رؤية شرعية

السؤال

كان لدي فرقة موسيقية وكنت أقوم بالتدريس في الكلية الموسيقية وكنت أكمل دراستي في الموسيقى (الماجستير) ... والحمد لله وبفضله تركت كل هذا .... ولكني معين في إحدى المدارس الحكومية ومازلت أعمل بها( ذلك هو الدخل الوحيد لدي الآن)...( دخل بسيط ) ... فهل مرتبي البسيط هذا ( حلال أم حرام ) علما بأنني غالبا لا أقوم بتدريس المادة الموسيقية حيث قال لي داعية معروف جداً جداً أن هذا الفعل أي ( عدم تدريس الموسيقى للتلاميذ) لا بأس به لأنه يسمى حبس وقت أو احتباس الوقت وله أجر مادي ... فلك أن تأخذ المرتب هذا .... .... أرجو الإفاده وجزاكم الله خيراً ... مع ملاحظة أنني مضرب عن الزواج بسبب الشك في هذا المرتب حلال أم ماذا؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة، ونسأل الله لك الثبات والرشد، واعلم أن التعاقد على تدريس مادة الموسيقى هو من الاستئجار على منفعة محرمة؛ لأنه استئجار على معصية والمعصية لا تستحق بالعقد، جاء في الفروق لـ لقرافي : الفرق الثالث والمائتان: قاعدة: ما يملك من المنفعة بالإجارات وبين قاعدة ما لا يملك منها بالإجارات، فأقول: متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة، ومتى انخرم منها شرط لا تملك:
الأول: الإباحة احترازاً من الغناء، وآلات الطرب ونحوهما.
، وقال في الشرح: وقال خليل في المختصر عاطفًا على ما لا يجوز من الإجارة: ولا تعليم غناء . قال عبق - يعني عبد الباقي- : ومثل تعليم الغناء تعليم آلات الطرب كالعود والمزمار. انتهى.
وعليه؛ فإذا كان شرط التعاقد مع المدرسة الحكومية قد تم على تدريس هذه المادة فيجب عليك ترك هذا العمل، أما إذا كان التعاقد بدون هذا الشرط فلا يلزمك الترك.
أما حكم ما أخذته من أجرة - مرتب - على تدريس مادة الموسيقى، فهو أجر على منفعة محرمة لا يستحق بالعقد، كما تقدم.
جاء في تبصرة الحكام: مسألة: وفي البيان قال ابن رشد: وإذا عثر على إجارة مثل المزمار والعود وما أشبه ذلك فسخت الإجارة، فإن كان دفع الأجرة فقيل ترد على المستأجر، وقيل تؤخذ ويتصدق بها، وإن لم يعثر على ذلك حتى فاتت الأجرة بالعمل فيؤديان جميعًا ويُتصدق بالأجرة على كل حال قبضت أو لم تقبض أدبًا لهما.
ومحل ذلك إن كان هناك شرط في العقد على تدريس هذه المادة، فإن لم يكن شرط فلا مانع من أخذ المرتب.
أما ما ذكره الداعية الذي أشرت إليه في سؤالك، فكلامه في مسألة حبس الوقت إنما يُقبل إذا كان العقد تم على قربة أو منفعة مباحة، كمن استأجر شخصًا لتعليم ولده الخط والشعر، مدةً معلومة كشهر أو شهرين، فيستحق المستأجر الأجرة سواء تعلم الولد أو لم يتعلم؛ لأنه حبس نفسه لذلك، أما موضوع السؤال فهذا استئجار على منفعة محرمة أصلاً.
أما إن كان يقصد أن الأفضل بقاؤك في هذه الوظيفة حتى تقلل من الشر قدر استطاعتك ولو تركت هذه الوظيفة لجاء غيرك فأفسد أكثر، فهذا كلام له وجه معتبر ينبني على قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما والموازنة بين مصالح بقائك على هذه الوظيفة ومفاسد تركك لها. والشخص إذا كان مجتهدًا في دفع الفساد بحسب الإمكان وكان بقاؤه في هذه الوظيفة خيرًا للمسلمين من غيره فلا إثم عليه في البقاء والأخذ، والله تعالى يجزيه على سعيه في تقليل المنكر، ولا يؤاخده على ما عجز عنه.
وننبه - الأخ الكريم - إلى أنه إذا كان فقيرًا محتاجًا إلى المال فإن ما كسبه من تعليم الموسيقى يجوز له صرفه في حاجته زواجًا أو غيره.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة كانت مغنية وقد اكتسبت من الغناء مالاً كثيرًا ثم تابت وحجت إلى بيت الله وهي محافظة على طاعة الله، فهل المال الذي اكتسبته بالغناء من حُلي وغيره إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه؟
فكان جوابه: إن المال المكتسب إن كان من عين أو منفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر فلا يقضي به قبل قبضه، فإن قبضه لم يحكم برده إلا بأدلة؛ لكن يصرف في مصالح المسلمين العامة، فإن تابت البغي وتاب الخمار وكانوا فقراء جاز أن يُصرف لهم من هذا المال بقدر حاجتهم، فإن تصدقوا به كما يتصدق المالك بملكه فهذا لا يقبله الله تعالى؛ لأنه لا يقبل إلا طيبًا. انتهى
في الاختيار لتعليل المختار: والملك الخبيث سبيله التصرف به ولو صرف في حاجة نفسه جاز، ثم إن كان غنيًا تصدق بمثله، وإن كان فقيرًا لا يتصدق. انتهى
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني