الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أهدر رسول الله دم هند بنت عتبة؟ وهل كان أبو طالب كثير العيال؟

السؤال

نقل في كتب السير عن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان -رضي الله عنهما- أنها كانت من الذين أهدر دمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يصح هذا الخبر من جهة الإسناد ؟
ويشتهر عن أبي طالب عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتب التاريخ والسير أنه كان كثير العيال أو الأولاد، ومع ذلك لا نجد له إلا أربعة أبناء هم على التوالي : طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، فكيف يكون كثير العيال، وليس له إلا أربعة؟ وشكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد عد كثير من الكتاب المعاصرين هند بنت عتبة -رضي الله عنها- فيمن أهدرت دماؤهم، ولكن المحدثين، والمؤرخين القدامي لم يعدوها فيهم، فقد تكلم على من أهدرت دماؤهم البيهقي، والذهبي، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر، ولم يذكروها، وقد ثبت في شأن هؤلاء وتعيينهم ما أخرج النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.

فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث، وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا، وكان أشب الرجلين فقتله.

وأما مقيس بن صبابة: فأدركه الناس في السوق فقتلوه.

وأما عكرمة: فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا ها هنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوًا كريمًا، فجاء فأسلم.

وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح: فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، بايع عبد الله، قال: فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك، قال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين. اهـ

وقد جاء في تعيين هاتين المرأتين ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة: أربعة لا أؤمنهم في حل، ولا حرم - وسماهم - وقال: وقينتين كانتا لمقيس بن صبابة، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى، فأسلمت. أخرجه أبو داود.

وقد عد ابن القيم المهدرة دماؤهم وزاد امرأة فقال في زاد المعاد، 3/ 411: ولما استقرّ الفتح أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم إلا تسعة نفر، فإنه أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، وعبد العزى بن خطل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صُبابة، وهبَّار بن الأسود، وقينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاةٌ لبعض بني عبد المطلب. اهـ

وأما عيال أبي طالب فقد كان له أربعة من الذكور، وبنتان، وزاد ابن سعد ولدًا خامسًا، وبنتًا ثالثة فقد قال الدار قطني: الإخوة من ولد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم: علي، وجعفر، وعقيل، وأم هانئ، وجمانة بنو أبي طالب. أمهم: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسنهم: عقيل، ثم جعفر، ثم علي، وكان كل واحد منهم أسن من أخيه بعشر سنين، وكان أخوهم «طالب» أسن من عقيل بعشر سنين، ولم يسلم.

فأما علي -رضي الله عنه- فيكنى أبا الحسن، وفضائله أكثر من أن تعد، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلّم كثير.

وأما جعفر، فيكنى أبا عبد الله، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين: إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة ... وقدم من أرض الحبشة يوم «خيبر» فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقبل بين عينيه وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسر؟! أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟! وقتل شهيدًا يوم «مؤتة».

وأما عقيل: فإنه أبو يزيد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلّم.

وأما «أم هانئ» فاسمها «فاختة»، تزوجها «هبيرة بن أبي وهب ... » وولدت له أولادًا، وأسلمت، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وهرب زوجها إلى «نجران»، ومات مشركًا.

وأما «جمانة بنت أبي طالب» فتزوجها ابن عمها «أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب»، وولدت له، ولم يسند عنها شيء. اهـ من كتابه: الإخوة والأخوات.

وجاء في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى (ص: 207): وجملة أولاد أبي طالب ستة: أربعة ذكور، وابنتان، والذكور طالب، ومات كافرًا، وهو أكبر ولد أبي طالب، وبه كان يكنى، وعقيل، وجعفر، وعلي، وأم هانئ، وجمانة، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان علي أصغرهم، كان جعفر أسن منه بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وطالب أسن من عقيل بعشر سنين... ثم ذكر أم هانئ، وجمانة. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني