الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

على ولي المرأة الإجابة لكفء

السؤال

خطبت أختًا في إحدى البلاد، وذهبت إلى أهلها هناك، وطلب مني والدها أن أقيم في بلدهم، وقال لي :إذا أقمت فاعلم أن 90 في المائة من زواجك منتهٍ، والعشرة الباقية يسألون معارفي، وأهلي عني، وعن دِيني، وأخلاقي، وإمكانياتي، وأنا ملتزم، ولا ينقصني شيء من متاع الدنيا، ووافقت على الأمر، وحصلت على الإقامة في بلدهم، وقبل عدة أيام اتصل عليّ شقيق الأخت؛ ليبلغني أن والده يعتذر، ويقول: كل شيء نصيب، والحجة أني اتصلت على الأخت، وكلمتها في أمور الزواج، وهذا لم يحصل، وحلفت له أني لم أتصل عليها، وأنا الآن أريدها، وهي أيضًا تريدني، ولا تريد أحدًا سواي، ولا أعرف ماذا أعمل، فهل أستطيع أن أتزوجها عن طريق المحكمة الشرعية؟ لأني -والله- حائر في أمري، ولا أعرف كيف أتصرف، فأرشدوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولًا: أن الوعد بالزواج غير ملزم شرعًا لوالد المرأة، ولا لها، ولا لك، وإن كان الالتزام به مطلوبًا خلقًا، ومروءة؛ ما لم تكن هناك ضرورة، أو حاجة شديدة تدعو إلى ترك الوفاء به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيدكم. حديث صحيح، أخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.

ثانيًا: يحرم على والد المرأة، أو وليها أن يمنعها الزواج من الرجل الكفء، إذا كانت راغبة فيه، وكان هو راغبًا فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دِينه، وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير. وفي رواية: وفساد عريض. أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وهو مرسل، وله شاهد صحيح عند الترمذي.

وهذا هو العضل الذي حرمه الله في القرآن بقوله: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، ونزلت في معقل بن يسار، الذي منع تزويج أخته من زوج لها طلقها، وكان رجلًا لا بأس به، فزوجها إياه بعد نزولها.. كما صحَّ في صحيح البخاري.

قال الموفق ابن قدامة في المغني: ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها، إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. إلى أن قال: فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلًا لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها، فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلًا لها بهذا؛ لأنه لو زوجت من غير كفئها، كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى. انتهى.

ثالثًا: في حالة امتناع الأب من تزويج ابنته من كفئها، فللقاضي أن يزوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل، فإن دخل بها، فلها المهر؛ بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له. أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، إلا النسائي، وصححه الترمذي، وأحمد، وابن معين، وأبو عوانة، والحاكم.

وقال خليل بن إسحاق المالكي: وعليه الإجابة لكفء، وكفؤها أولى، فيأمره الحاكم، ثم زَوّج.

رابعًا: لا ننصحكما باللجوء للمحكمة الشرعية للزواج؛ لأنه قد يترتب على ذلك مفاسد كثيرة، والأولى الصبر؛ حتى يوافق أبوها على الزواج، أو تركها، والبحث عن غيرها من أهل الخير، والصلاح، وهنَّ كثيرات -والحمد لله-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني