الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغضب لا يمنع من نفوذ الطلاق إلا إذا بلغ حداً سلب الإدراك وغلب العقل

السؤال

دارت بيني وبين زوجتي مناقشة حادة، اشتد فيها غضبي لدرجة أظنني لم أبلغها من قبل، فقلت لها: أنت طالق، وكانت هذه هي المرة الأولى للطلاق، وبعد أن هدأت ثورتي ندمت على طلاقي لها، وبحثت في موقعكم الكريم عن حالات وقوع الطلاق، وعدم وقوعه، فوجدت فتوى تنص على أن من أنواع الغضب: "أن يكون الشخص في حالة غضب يدري ما يقول، لكنه لشدة غضبه يعجز عن التحكم في إرادته، فالراجح في ذلك أنه لا يقع طلاقه؛ لأنه غلق على العقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إغلاق ـ رواه أبو داود، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، وهذه الحالة هي تمامًا ما حدث لي، فكأن الطلاق كان بمثابة متنفس لي من الغضب، فاطمأننت أن طلاقي لم يقع، ولكنني قبل أن أبحث وأعلم هذا الحكم كنت أظن أن طلاقي قد وقع لعدم معرفتي بهذه الفتوى، فقلت لزوجتي بعد أن تصالحنا: أرجعتك إلى عصمتي، فهل تحسب هذه طلقة؛ لأنني راجعتها أم لا تحتسب؛ لأن الطلاق لم يقع من الأصل وفقًا لهذه الفتوى؟ أرجو الإفادة -جزاكم الله كل خير-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم نفوذ الطلاق حال الغضب الشديد الذي لم يفقد صاحبه الإدراك، لكن الذي نفتي به في موقعنا في أكثر الفتاوى، أنّ الغضب لا يمنع من نفوذ الطلاق إلا إذا بلغ حداً سلب صاحبه الإدراك، وغلب على عقله، وانظر الفتوى رقم: 98385.

وعليه، فالمفتى به عندنا أنك ما دمت تلفظت بطلاق زوجتك مدركًا، غير مغلوب على عقلك، فقد وقع طلاقك، لكن المسائل المختلف في حكمها يجوز للعامي العمل فيها بما يترجح عنده أنه الحق، إما بالنظر في الأدلة، والعمل بأرجحها إن كان يقدر على ذلك، وإما بتقليد الأوثق في نفسه إن كان غير مؤهل للنظر في الأدلة، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده. انتهى.

وعلى القول بعدم نفوذ الطلاق: فرجعتك لزوجتك لا تضر، لكن الرجوع عن التقليد بعد العمل بالفتوى غير جائز عند أكثر أهل العلم، وبعضهم يرى جوازه، وراجع الفتوى رقم: 186941.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني