الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكره زوجها وتعبس في وجهه وتجيبه إلى فراشه على تكره فهل تأثم

السؤال

زوجي للأسف يسيء معاملتي لفظيا ومعنويا... ويمنعني من حقي الشرعي شهورا بحجة أنه غاضب مني.... حتى حطم معنوياتي تماما... فهو ينتقدني في كل شيء... وأنا أحتسب ذلك كله وأصبر حتى نربي أولادنا سويا، والمشكلة هي أنني الآن لا أطيقه في الفراش، لأنه يهجرني متى يريد ويأتيني متى يريد، ولكنني لا أصده أبدا، وإنما لا أستطيع التفاعل معه كما يريد، فهل سيحاسبني الله على عدم التفاعل لكرهي له؟
أفتوني وادعوا لي بأن يفرج الله عني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله جل جلاله أن يفرج كربك ويصلح لك زوجك وأن يملأ بيتكم بالمودة والرحمة، وبعد، فمادامت المرأة قد اختارت البقاء في عصمة الزوج المسيء فلا يجوز لها التقصير في أداء حقه في المعاشرة الخاصة على وجهها بالمعروف فالأصل بقاء الحقوق الزوجية ما بقيت العلاقة الزوجية، إلا لمسوغ شرعي كما سنوضحه، وليس كرهها للزوج ولا هجر الزوج لها مسوغا شرعيا لإخلالها بحق المعاشرة، وتقصير المرأة في أداء حق الزوج في المضاجعة لا يقتصر على الامتناع منه وصده، بل الواجب عليها أن تبذل نفسها لزوجها طائعة مطاوعة متجاوبة غير متكرهة ولا مماطلة، وأحق ما يطاع فيه الزوج مسائل الفراش ما لم يأمر بمحرم كالوطء في الحيضة والدبر، قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ في قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228} وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلٌّ مَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لَا بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلَا تَأْدِيَتُهُ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ، وَأَيَّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ، لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُهُ الْحَقَّ. اهـ.

وإذا وجد المسوغ الشرعي المسقط لحق المعاشرة على الزوجة، فإنها لا تؤاخذ على صد الزوج إن أرادها فضلا عن التكره مع التمكين، وحتى تتمكن السائلة من معرفة مدى سقوط هذا الحق من بقائه في حالتها يمكننا أن نجمل صور المسقط الشرعي لحق المعاشرة في الصورة التالية وهي: العذر المادي كالعجز والضرر، والعذر الشرعي كالانشغال بالصوم الواجب أو الإحرام بالنسك، أو في حالة الحيض والنفاس، ومنها حالة امتناع الزوج عن أداء النفقة الواجبة ويدخل فيها السكن الملائم، أو تنازل الزوج عن حقه في المعاشرة، وللمزيد في سقوط حق المعاشرة بالامتناع عن النفقة تنظر الفتوى رقم: 118769 .

فإذا انتفى المسوغ الشرعي المسقط لحق المعاشرة أثمت الزوجة على تقصيرها في أداء هذا الحق على وجهه بالمعروف يقول الشيخ ابن عثيمين في حق المعاشرة: كذلك يحرم عليها التكره في بذله، كأن تبذل له ما يجب، لكن مع الكراهة والعبوس، وعدم انطلاق الوجه، وإذا بُلي الإنسان بامرأة كهذه يعظها، ويهجرها، ويضربها حتى تستقيم، كما قال تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً {النساء: 34}. اهـ.

وأما ما ذكرته المرأة من سوء معاشرة الزوج لها والهجر في المضاجع: فليس من جملة مسقطات حق المعاشرة، وهو ما أوضحناه في الفتاوى التالية أرقامها: 27221 ، 31699، 69177 .

ومثل ذلك كره المرأة لزوجها، فليس الكره مسقطا لحق الزوج في المعاشرة بالمعروف، ولذلك أمر الله بالمعاشرة بالمعروف مع وجود الكره، فقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.

فلم يجعل الكره مسقطا لوجوب المعاشرة بالمعروف.

وأخيرا، فإننا نوصي السائلة الكريمة بالمبادرة إلى علاج مشاكلها الزوجية، لأن ما حملها على البقاء مع الزوج المسيء من التعاون على تربية الأولاد سويا لا يؤتي ثماره في أجواء التباغض والتكاره بين الزوجين، والسبيل لعلاج إساءة الزوج وتقصيره في أداء الحقوق هو الصبر الجميل والمناصحة بالمودة واللين وأداء حقه على أتم وجه و الموازنة بين الحسنات والسيئات، لئلا يتحول كره سلوك الزوج إلى كره شخصه فتستحيل الحياة الزوجية عذابا، كما أرشد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: لا يفْرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني