الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعريف العجب والفرق بينه وبين الكبر وعلاجه

السؤال

بعد أي عمل صالح أفعله، يقع في قلبي شيء من الغرور والتكبر بالعمل، فما السبيل للخلاص من ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن وفق للطاعة ينبغي له الفرح بالتوفيق لها، واستشعار نعمة الله عليه بها، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: إذا حاك في نفسك شيء فدعه. قال: فما الإيمان؟ قال: إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن. رواه أحمد بإسناد صحيح.

وما ذكرته من أنك تصاب بتكبر وغرور إذا عملت عملا صالحا، فهذا الذي يصيبك هو العجب ـ عياذا بالله ـ، وهو من كبائر الذنوب، وقد فرق القرافي بين الكبر والعجب فقال: لفرق الستون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة العجب) قد تقدمت حقيقة الكبر، وأنه في القلب، ويعضد ذلك قوله تعالى: {إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه} فجعل محله القلب والصدور. وأما العجب فهو رؤية العبادة، واستعظامها من العبد، فهو معصية تكون بعد العبادة، ومتعلقة بها هذا التعلق الخاص، كما يتعجب العابد بعبادته، والعالم بعلمه، وكل مطيع بطاعته، هذا حرام غير مفسد للطاعة؛ لأنه يقع بعدها، بخلاف الرياء، فإنه يقع معها فيفسدها، وسر تحريم العجب أنه سوء أدب على الله تعالى، فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده، بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده، لا سيما عظمة الله تعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} أي: ما عظموه حق تعظيمه، فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه، وهو مطلع عليه، وعرض نفسه لمقت الله تعالى، وسخطه، ونبه على ضد ذلك قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} معناه: يفعلون من الطاعات ما يفعلون وهم خائفون من لقاء الله تعالى بتلك الطاعة احتقارًا لها، وهذا يدل على طلب هذه الصفة، والنهي عن ضدها، فالكبر راجع للخلق والعباد، والعجب راجع للعبادة. انتهى.

وأما عن العلاج لهذا؛ فعليك أن تواصل العمل، والمطالعة في كتب الترغيب، وتستحضر ما في ذلك من الثواب، وتحرص على أن يكون عملك ابتغاء وجه الله تعالى، وتستحضر تقصير نفسك فيما يجب عليك في كثير من الأوامر والأعمال امتثالا واجتنابا، وأن الله تعالى يستحق عليك أكثر من هذا، وباستحضار نعمة الله عليك في التوفيق للعمل، وخشيتك من خذلانه لك، وسلب هذه النعمة منك تزداد تواضعا لله وانكسارا بين يديه، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا أنت خفت على عملك العجب، فانظر رضا من تطلب، وفي أي ثواب ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا تفكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينيك عملك. اهـ.

وقال ابن حزم رحمه الله في الأخلاق والسير في مداواة النفوس: وَإِن أعجبت بعملك، فتفكر فِي مَعَاصِيك، وَفِي تقصيرك، وَفِي معاشك ووجوهه، فوَاللَّه لتجدن من ذَلِك مَا يغلب على خيرك، ويعفي على حَسَنَاتك، فليطل همك حِينَئِذٍ، وأبدل من الْعجب تنقصا لنَفسك. اهـ.

وقال ابن القيم في مدارج السالكين: العارف لا يرضى بشيء من عمله لربه، ولا يرضى نفسه لله طرفة عين، ويستحيي من مقابلة الله بعمله... وكان بعض السلف يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ثم يقبض على لحيته ويهزها ويقول لنفسه: يا مأوى كل سوء، وهل رضيتك لله طرفة عين. وقال بعضهم: آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور. انتهى.

وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر: وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك، فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قالوا: ما عبدناك حق عبادتك، والخليل عليه السلام يقول: "والذي أطمع أن يغفر لي" وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من ينجيه عمله، قالوا ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته. وأبو بكر رضي الله عنه يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعمر رضي الله عنه يقول: لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي، قبل أن أعلم ما الخبر. وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث. وعائشة رضي الله عنها تقول: ليتني كنت نسيًا منسيًا، وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع. اهـ.

ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 118700 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني