الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح أمور حول المهدي المنتظر

السؤال

عندي إشكالية بخصوص المهدي، في حديث ليس لدي علم عن صحته: يفتحون حتى يصل الجيش إلى أوروبا، حتى يصلون إلى روما (إيطاليا) وكل بلد يفتحونها بالتكبير، والتهليل. وهنا يصيح الشيطان فيهم صيحة ليوقف هذه المسيرة، ويقول: إن الشيطان قد خلفكم في ذراريكم، ويقول قد خرج الدجال. والدجال رجل أعور, قصير,أفحج, جعد, ولكن المقصود أنها كانت خدعة، وكذبة من الشيطان ليوقف مسيرة هذا الجيش، فيقوم المهدي بإرسال عشرة فوارس، هم خير فوارس على وجه الأرض.
هل هذا يدل على أنه لو كان المهدي حقيقة خروجه في آخر زمن‏ أو لا؟ لماذا لم يصدق الحديث وأرسل عشرة فوارس، أو المهدي يكذب الحديث، أو لا يقرأ ولا يكتب، أو في آخر الزمن الكتب غير متوفرة كثيراً؟
ولكن ذاك الرجل أعظم الناس شهادة عند الله، يولد مع عصر المهدي، عرف المسيح الدجال، قَرأ عنه في الكتب، وصدق الحديث يعني هذا حديث صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما تشير إليه من قصة المهدي، ورد في أحاديث صحيحة منها ما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ. فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نُخَلِّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لاَ يُفْتَنُونَ أبدأ، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ. فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ، خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ.

وتوجد أحاديث كثيرة في شأن المهدي، حتى أوصلها بعض العلماء إلى درجة التواتر المعنوي.

يقول السفاريني في لوامع الأنوار البهية: وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدّ من معتقداتهم ...... وقد روي عمن ذُكر من الصحابة، وغير من ذُكر منهم-رضي الله عنهم-، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. اهـ.

فالمهدي- إذن- رجل من هذه الأمة، يخرج في آخر الزمان، وقد بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه من أهل بيته، وصفه بصفات
بارزة أهمها: أنه يحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الأنام، لكنه- كما هو معلوم- لا يأتيه الوحي، وليس معصوما، وإلا لكان نبيا، ولا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فإن اعتراضك على عدم علمه بأن صيحة الشيطان كاذبة، ومحاولة الاستدلال بذلك على عدم صحة الأخبار الواردة بشأنه، غير سليم من وجهين:

1-أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد صحة أخبار المهدي، وأن خروجه واقع لا محالة، وعلى المسلم أن يصدق بذلك، ما دام قد جاء عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:4}.

2-أن ما قدره الله تعالى لا بد أن يحصل، فإذا قدر الله أن الشيطان يصيح في المسلمين مخبرا بخروج الدجال، وأنهم سينخدعون بذلك، فإن الأمر سيحصل لا محالة؛ لأن الله كتبه وقدره، ولا جدوى-بعد ذلك-من البحث عن السبب الذي جعلهم ينخدعون بصيحة الشيطان تلك.

وإن كان لا بد من البحث، وطرح الاحتمالات، فيمكن أن المهدي فعلا لم تبلغه تلك الأحاديث، ويمكن أن تكون قد بلغته ونسيها، وهكذا الحال بالنسبة لمن معه من المؤمنين، وأيا كان التفسير لذلك، فالنتيجة واحدة، وهي أن ما قدره الله سيكون لا محالة، سواء علم الإنسان بالأمر أم لم يعلم به.

وراجع- للفائدة-الفتاوى التالية أرقامها: 6573 - 42079 - 164881

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني