الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم كون أجرة الدلال نسبة ومستمرة

السؤال

‏ دلني أحد الأشخاص، على عميل، ‏وطلب مني بالمقابل 5% نسبة عن ‏كل بيعة أعملها مع العميل، العميل ‏طبعا لا يعرف أن هذا الشخص يأخذ ‏‏5%، أنا الآن أشعر بالظلم الواقع ‏علي بسبب هذا الأمر، ولا أريد ‏الاستمرار فيه.‏
‏ كلمت الشخص، وقال لي إن هذا ‏اتفاق، ولن أسامحك في الدنيا والآخرة، ‏هكذا، يريد أن يحصل على 5% ‏دائما، والآن أصبح الوضع على هذا ‏الحال منذ قرابة العام، ولا أريد ‏الاستمرار.‏
‏ هل علي حرج إن توقفت؟
‏ جزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه المعاملة لا تصح من أساسها عند أكثر أهل العلم؛ لأن عمولة الدلال إذا كانت نسبة، ولم تكن مبلغا مقطوعا، فجمهور أهل العلم لا يجيزون ذلك؛ لجهالة الجعل، وأما الحنابلة فمنهم من يجوز الجعالة مع جهالة الجعل، إذا كانت الجهالة لا تفضي إلى نزاع، وبالتالي لا تمنع التسليم.

قال ابن قدامة في المغني: يحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض، إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم، نحو أن يقول: من رد عبدي الآبق، فله نصفه، ومن رد ضالتي، فله ثلثها ... فأما إن كانت الجهالة تمنع التسليم، لم تصح الجعالة، وجها واحدا. اهـ.

وقال المرداوي في الإنصاف: إذا كانت الجهالة تمنع التسليم: لم تصح الجعالة. قولا واحدا. ويستحق أجرة المثل مطلقا. كذا إن كانت لا تمنع التسليم على المذهب، كما تقدم. وله أجرة المثل. اهـ.

أي القدر الذي يعطى في العادة لمن يقوم بمثل هذا العمل.

وهذا الخلاف إنما يجري في البيعة الأولى؛ لوجود عمل من الدلال فيها، وأما ما بعد ذلك من المبايعات مع ذلك العميل، فلا يستحق فيها الدلال شيئا؛ لعدم وجود عمل منه، فإن أخذ شيئا عن غير طيب نفس من الدافع، كان من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة: 188]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه. رواه مسلم.

فينبغي أن ينظر من يأخذ شيئا من مال امرئ مسلم، بأي شيء يستحل هذا المال؟ كما أشار إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: بم تستحل مال أخيك. رواه البخاري، ومسلم.

وجاء في الموسوعة الفقهية: لا يستحق الربح إلا بالمال، أو العمل، أو الضمان؛ فهو يستحق بالمال؛ لأنه نماؤه، فيكون لمالكه. ومن هنا استحقه رب المال في ربح المضاربة. وهو يستحق بالعمل حين يكون العمل سببه، كنصيب المضارب في ربح المضاربة اعتبارا بالإجارة. ويستحق بالضمان كما في شركة الوجوه، لقوله صلوات الله وسلامه عليه: "الخراج بالضمان" أو "الغلة بالضمان". أي من ضمن شيئا فله غلته ...

فإذا لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة التي لا يستحق الربح إلا بواحد منها، لم يكن ثم سبيل إليه. ولذا لا يستقيم أن يقول شخص لآخر: تصرف في مالك على أن يكون الربح لي. أو على أن يكون الربح بيننا. فإن هذا عبث من العبث عند جميع أهل الفقه، والربح كله لرب المال دون مزاحم. اهـ.

فإن اشترط الدلال عمولة على شيء لم يعمل فيه، كان هذا الشرط مما ليس في كتاب الله فيبطل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! ما كان من شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط. رواه البخاري، ومسلم.

ولذلك سبق أن نبهنا في ما يعرف بالتسوق الشبكي، على أن أخذ العمولة من كل بيعة، بيعت بها السلعة، بعد البيع الأول، لمجرد أنه دل المشتري الذي بعده، لا وجه لجوازه؛ لأنه لم يبذل جهدا بعد العملية الأولى التي أخذ أجرها أصلا؛ وانظر الفتوى رقم: 78031.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني