الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المفاضلة بين أنواع الذكر

السؤال

حديث من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير مائة مرة في يوم لم يأت أحد يوم القيامة بمثل أجره إلا من عمل مثله أو أكثر.. فهل هذا الذكر أفضل من الصلوات وقراءة القرآن وسائر الأعمال؟ أم ينبغي الإكثار منه بالإضافة إلى سائر الأعمال اليومية؟ وبالمقارنة هل الأفضل القرآن أم هذا الذكر والتسبيح؟ أجيبونا بذكر أقوال أهل العلم.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإتيان بالذكر المذكور مائة مرة من جملة الأذكار المأثورة، والتي ثبت الترغيب فيها, ومن ذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك.

وفي السنن الكبرى للنسائي: ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، لم يجئ يوم القيامة أحد بعمل أفضل من عمله، إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه.

وتنبغي المواظبة على هذا الذكر دائما, إضافة إلى ما أمكن من الأعمال الصالحة من تلاوة قرآن, وذكر لله تعالى ونوافل وإنفاق في سبيل الله, وغير ذلك من وجوه الخير الكثيرة, فأفضلية هذا الذكر ـ الذي سألت عنها ـ لا تعني أن المسلم يقتصر عليه وحده, بل الأفضل أن يكثر معه من الأعمال الصالحة, فذلك أنفع له, وأكثر ثوابا, فقد جاء في شرح النووي على صحيح مسلم تعليقا على هذا الحديث: هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود التي نهي عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة، سواء كانت من التهليل أو من غيره، أو منه ومن غيره، وهذا الاحتمال أظهر. والله أعلم. انتهى.

وفي المنتقى للباجي عند شرح هذا الحديث: ووجه ثان وهو يحتمل أن يريد لا يأتي أحد من سائر أبواب البر بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل من هذا الباب أكثر من عمله. انتهى.

ثم إن الأصل كون تلاوة القرآن هي أفضل الأعمال على الإطلاق، فالقارئ له بكل حرف عشر حسنات، لقوله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني.

لكن إذا كان للذكر سبب معين يقتضي تفضيل الاشتغال به ـ كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها, وإجابة المؤذن, والأذكار المأثورة بعد الفريضة ـ فصرف الوقت فيه حينئذ أفضل, جاء في مطالب أولي النهى ممزوجًا بغاية المنتهى وهو حنبلي: ويتجه أن صرف الزمان فيما ورد أن يتلى فيه من الأوقات ذكر خاص ـ كإجابة المؤذن والمقيم, وما يقال أدبار الصلوات, وفي الصباح والمساء, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ـ أفضل من صرفه في قراءة القرآن تأدبًا بأن يفضل شيء عليه، وهو اتجاه حسن، بل مصرح به في مواضع من كلامهم. انتهى.

وجاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين: سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل: الذكر أم قراءة القرآن؟ فأجاب فضيلته بقوله: المفاضلة بين الذكر والقرآن، فالقرآن من حيث الإطلاق أفضل من الذكر, لكن الذكر عند وجود أسبابه أفضل من القراءة مثال ذلك: الذكر الوارد أدبار الصلوات أفضل في محله من قراءة القرآن، وكذلك إجابة المؤذن في محلها أفضل من قراءة القرآن, وهكذا. انتهى.

كما أن فرائض الصلاة أفضل من سائر الأذكار, والنوافل, لأن الفرض هو أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى, كما قال تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.. الحديث رواه البخاري.

وبخصوص المفاضلة بين هذا الذكر وبين سائر الأعمال الصالحة ـ من غير الفرائض ـ فهذا يختلف باختلاف الناس وما يناسب أحوالهم, وما يقدرون عليه, قد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ كما في مجموع الفتاوى ـ عن أفضل الأعمال بعد الفرائض فقال: إنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع، مفصل لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره، أن ملازمة ذكر الله دائمًا هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة… ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان، وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم، وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله، ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسًا يتفقه، أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهًا، فهذا أيضًا من أفضل ذكر الله، وعلى ذلك إذا تدبرت، لم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف. اهـ.

ولمزيد الفائدة عن مسألة المفاضلة بين الأعمال الصالحة, راجع الفتاوى التالية أرقامها: 171101، 117046، 151729، وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني