الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انفراد الراوي بزيادة في الحديث بين القبول والرد.. حديث وائل بن حجر نموذجا

السؤال

أنا قرأت في منتدى مقالا أثبت أن مذهب جمهور المحدثين المتقدمين؛ كعلي بن المديني، والنسائي، وأحمد، والدارقطني، وغيرهم -هو رد ما تفرد به الثقة مطلقا؛ سواء كان منافيا لغيرهم من الثقات، أم لا، وأن الذين اشترطوا المنافاة لرد زيادة الثقة، إنما هم المتأخرون. فإذا كان الأمر كذلك؛ فهل الأولى، والأصح، والأفضل هو: الأخذ بمنهج المتقدمين، وبالتالي: رد زيادة زائدة في حديث وائل بن حجر (يحركها يدعو بها)، واعتبارها شاذة؛ سواء كانت منافية أم لا, أم الأخذ بمنهج المتأخرين، وقبول هذه الزيادة؟
أي المسلكين أصح، وأصوب، وأفضل؛ منهج المتقدمين من المحدثين أم المتأخرين في ما ذكرت لكم؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنا لم نطلع على المقال المذكور في هذا المنتدى، ولكن إذا روى الحديثَ عدةُ أشخاص، وزاد أحدهم في روايته؛ فالمسألة مختلف فيها، وجمهور المحدثين والفقهاء على القول بقبوله؛ كما قال الزركشي في البحر، والسخاوي في فتح المغيث، وقال ابن الصلاح في مقدمته: إذا انفرد الراوي بشيء، نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك، وأضبط، كان ما انفرد به شاذا مردودا؛ وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا، حافظا، موثوقا بإتقانه، وضبطه، قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، كان انفراده به خارما له، مزحزحا له عن حيز الصحيح. اهـ.

قال الغزالي في المستصفى: مسألة انفراد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النقلة، مقبول عند الجماهير؛ سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ، أو من حيث المعنى; لأنه لو انفرد بنقل حديث عن جميع الحفاظ لقبل, فكذلك إذا انفرد بزيادة، لأن العدل لا يتهم بما أمكن. فإن قيل: يبعد انفراده بالحفظ مع إصغاء الجميع. قلنا تصديق الجميع أولى إذا كان ممكنا، وهو قاطع بالسماع، والآخرون ما قطعوا بالنفي, فلعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره في مجلسين؛ فحيث ذكر الزيادة لم يحضر إلا الواحد، أو كرر في مجلس واحد، وذكر الزيادة في إحدى الكرتين ولم يحضر إلا الواحد. ويحتمل أن يكون راوي النقص دخل في أثناء المجلس فلم يسمع التمام, أو اشتركوا في الحضور ونسوا الزيادة إلا واحدا, أو طرأ في أثناء الحديث سبب شاغل مدهش فغفل به البعض عن الإصغاء، فيختص بحفظ الزيادة المقبل على الإصغاء, أو عرض لبعض السامعين خاطر شاغل عن الزيادة، أو عرض له مزعج يوجب قيامه قبل التمام, فإذا احتمل ذلك؛ فلا يكذب العدل ما أمكن. اهـ.

أما عن حديث وائل بن حجر: فقد روى أحمد، والنسائي، وأبو داود، وغيرهم، عن وائل بن حجر -رضي الله عنه-: أنه قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلّق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها.

رواه البيهقي هو حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأنظرن إلى رسول الله كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه، قام فكبر..... ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه وركبته اليمنى، ثم قبض بين أصابعه فحلق، ثم رفع أصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها. ورواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، وابن الجارود، وصححه ابن خزيمة كما في الفتح، والنووي في المجموع، والألباني في صفة الصلاة.

وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وابن الملقن، والنووي، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني..... وقد شذ بعض المتأخرين عن هؤلاء الأئمة المصحِّحين للحديث- وغيرهم ممن تلقى الحديث بالقبول، وعمل به، أو تأوله، كما بينت ذلك في تمام المنة، فضعفوه بدعوى تفرد زائدة بن قدامة، عن عاصم بن كليب بقوله: يحركها دون سائر أصحاب عاصم .......

والخلاصة: أن حديث وائل من رواية زائدة في التحريك صحيح، وله متابعون ثقات في معناه، وأن الذين أعلوه بالشذوذ تغافلوا عن روايات الثقات الموافقة له، وعن إفادة الفعل المضارع الاستمرار، كما تجاهلوا تصحيح الأئمة المتقدمين له. اهـ.

وقد عارضه ما روي عن الزبير من نفي التحريك، ولكن المثبت مقدم على النافي؛ فقد قال ابن القيم في زاد المعاد: وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ويحركها، وهكذا قال وائل بن حجر عنه. اهـ.

وأما حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يحركها؛ فهذه الزيادة في صحتها نظر. وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه، ولم يذكر هذه الزيادة، بل قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه. وأيضا ليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلاة، وأيضا لو كان في الصلاة لكان نافيا، وحديث وائل بن حجر مثبتا، وهو مقدم، وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه. اهـ.

وقال ابن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع: فإن السنة تدل على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويرفع السبابة، ويحركها عند الدعاء؛ هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من حديث وائل بن حجر بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني: إنه جيد، وقال فيه المحشي على زاد المعاد: إنه صحيح، وإلى هذا ذهب ابن القيم -رحمه الله-. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني