الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أضواء على حديث "خلقت هؤلاء للجنة.."

السؤال

فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل النار" مامعنى هذا الكلام؟ وألف شكر .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن مسلم بن يسار الجهني: أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172].
قال: قرأ القعنبي الآية، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عنها، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار.

وهذا الحديث يتعلق بركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر، فيقرر الحديث أن أعمال العباد تجري على ما سبق به علم الله تعالى الذي كتبه عنده في اللوح المحفوظ، ويوضح هذا المعنى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه: أن سراقة بن مالك بن جعشم قال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير.. أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه، فسألت عنه فقال: اعملوا فكل ميسر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهو: أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ...... إلى أن قال: وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرهم. انتهى
ومما يجب أن يعلم فيما يتعلق بالقدر أنه على أربع مراتب: ذكرها ابن القيم وغيره من أهل العلم وهي:
المرتبة الأولى: علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية: كتابة ذلك عنده في الأزل قبل خلق السماوات والأرض.
المرتبة الثالثة: مشيئته المتناولة لكل موجود.
المرتبة الرابعة: خلقه لها وإيجاده وتكوينه.
هذا ما يجب الإيمان به فيما يتعلق بأمر القدر، أما ما وراء ذلك مما يسميه بعض العلماء "سر القدر" فلا يجوز تكلف البحث عنه، وهو الذي ورد عن علي بن أبي طالب: أن رجلاً سأله فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: طريق مظلم فلا تسلكه، فأعاد السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه، فأعاد السؤال فقال: سر الله خفي عليك فلا تفشه. ذكره في كنز العمال.
وقد قال الشافعي رحمه الله فيما أثر عنه من الشعر:
ما شئت كان وإن لم أشأ ===== وما شئت لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ==== ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت ===== وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد ===== وهذا قبيح وهذا حسن .
ويكفينا هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما تقدم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
4054 -
19697 -
14623.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني